موروثات النظام الدكتاتوري التي لاتزال مستشرية لدى البعض من العراقيين


موروثات النظام الدكتاتوري التي لاتزال مستشرية لدى البعض من العراقيين
حقبة الحكم الدكتاتوري التي عاشها العراقيون لمدة تزيد على ثلاثة عقود، تركت -وكما في غيرها من تجارب الشعوب الاخرى- اثاراً سلبية على المجتمع العراقي في نواحٍ عديدة، وهنا اود التطرق الى التأثير السلبي الذي تركته الدكتاتورية على روح المواطنة وحب الوطن لدى الفرد العراقي:
لستُ باحثاً اجتماعياً، ولكني سأسرد بعض امثلة كونت لدي انطباعاً سلبياً وغير متفائل، بان روح المواطنة وحب الوطن بحاجة الى زمن طويل وجهد كبير ومنظم لاعادة بنائه، ليتحول من الحب القسري للدكتاتور الأوحد المتحكم بمصير ومستقبل افراد الشعب، الى حب الوطن والعمل من اجله ومن اجل تقدمه وازدهاره.
المثال الاول:
عند استضافتي لعدد من الزائرين لعنكاوا والقادمين من عمان وغيرها ممن تركوا العراق بسبب الارهاب، رأيت انني كلما كنت اتجول معهم في عنكاوا أو في ربوع كوردستان وفي اسواقها وشوارعها، ويدور الحديث حول الأمان والتطور الذي تشهده كوردستان العراق بما نفخر ونعتز به، كدليل على ان تحقيق الأمان وارد في العراق و هو مفتاح للانتعاش الاقتصادي والتطور، لاحظت انه في معظم نقاشاتي عن هذا الموضوع يسارع الضيوف الاعزاء للمقارنة بعمان أو بالبلدان التي جاؤوا منها، وكأنهم ليسوا بعراقيين ولم يبق لأي منهم حتى ولو القليل من حب الوطن الذي لو كان عامراً في قلوبهم لفرحوا لِما وجدوه، ولاعترفوا بان ما شاهدوه من امان وتقدم وازدهار ملموس في كوردستان، هو شيء مفرح لكل عراقي وطني، لأننا نتحدث عن جزء من العراق يمكن ان يكون نموذجاً لبقية ابنائه في بقية انحاء العراق، الذين يسعون لأن تنعم مناطقهم بجزء ولو يسير مما هو موجود هنا في كوردستان.
المثال الثاني:
فرحتُ وحتماً فرح معي كل عراقي يحب وطنه ويسعى ويتمنى ان يتخلص من كل الارهابيين الذين عاثوا بالارض فساداً لننعم بالامان كباقي البشر، وذلك بخبر قتل قادة القاعدة في العراق واعتقال رؤوس عفنة من اتباعهم، وهنا ترى عدداً غير قليل من العراقيين في تعليق سلبي لهم: ثم ماذا؟ وأين كانت الحكومة كل هذه السنين؟ وأنا لا ادافع هنا عن الحكومة، ولكن لا بأس ان أشد على يدها عندما تنجح في القضاء على حلقة مهمة من حلقات الارهاب، لأن هذا يعني ان هناك مَنْ كان ولايزال يعمل بصمت وبجهد وبتضحية بالنفس حتى وصل لهؤلاء القتلة، ويقينا ان مَنْ وصل الى أوكارهم هو مواطن عراقي يحب وطنه ويضحي من اجله، وأثلج في عمله البطولي هذا صدور أرامل وأيتام وأهل فقدوا أولادهم في تفجيرات الارهابيين التي فتكت بالعراقيين الأبرياء بشكل عشوائي على مدى السنوات الماضية. فلماذا لا نفرح لخطوة متقدمة في مجال الأمن؟ ولماذا لا نصلي من أجل المزيد من الاستقرار وقلع الارهاب من جذوره؟! أليس علينا ان نفرح لكل خطوة تمنحنا الأمل في العيش بأمان كباقي البشر، في البلدان الاخرى التي يفتخر بها بعض العراقيين وكأنهم ولدوا فيها ونسوا وطنهم الأم الذي لازالت جذورهم فيه قائمة.
من خلال هذين المثالين، أرى ان على الدولة وجوب اعتماد مشروع لاعادة بناء واعمار روح المواطنة والوطنية في نفس المواطن العراقي، ليكون في مقدمة مشاريع اعادة اعمار العراق، لأن القيام بهذا المشروع سيكون حجر الزاوية الذي سيؤدي بالمستقبل الى استقرار وازدهار العراق، ويعيش الكُل فيه آمناً مطمئناً معتزاً بوطنه محباً له .
                                                                                                صفاء خليل
عدد 46

تعليقات