مناضلون من عنكاوا


مناضلون من عنكاوا


بين نقرة السلمان وحركة انصار الشيوعيين صحراء ممتدة على مرمى البصر، منسوجة من الرمل والحصى والحجارة والزواحف، لاتكشف اسرارها الا انفاس روح مقدسة، هناك تكمن نقرة السلمان.. لقد بنيت في عام 1928 لتصبح اول ثكنة عسكرية لحماية الحدود، ولكن سرعان ماتحولت الى نواة لسجن منسي في قلب الصحراء لا مهرب منه فهو جحيم ارضي، حيث كثيراً ما كانت الطائرات المروحية تعثر على جثث السجناء الهاربين من ذلك المنفى، سجناء عراقيون من مختلف القوميات والاديان والمذاهب، مناضلون همهم الوحيد حب الوطن والتضحية في سبيله. في كل ورقة من تاريخ ذلك السجن، بصمة عميقة لاتمحى من الذاكرة، وهناك رجال يشهدون بذلك قضوا سنوات من عمرهم في صنع تاريخه.
ساهمت عنكاوا عبر مناضليها في كتابة صفحات من هذا التاريخ.. حدثني شاهد عيان من اولئك المساجين عندما قابلته بتاريخ 12/1/2009، الا وهو السيد (عيسى يونس) فقال: في 18/4/1964 خرجنا من السماوة باتجاه نقرة السلمان في سيارة اطلق عليها سيارة الموت، وفي اثناء سيرنا حدثت عاصفة ترابية انعدمت فيها الرؤية، فعدنا ادراجنا الى السماوة، ثم انطلقنا في اليوم التالي وكان معنا في السيارة كل من: حنا يونس، جبار عزو، مرقس بطرس، اما الذين كانوا قد سجنوا قبلنا هناك، فكانوا كل من: كريم عيسى، جمعة شيشا، يوسف بهنام كوندا، يلدا رحيم كوندا، انور عوديش، اسحاق هرمز، ايليا شمعون، كنيس حزقييل، بطرس مربين (ابو شوكت)، وعبد الاحد مربين، جميل يلدا بيداويد، يوسف فرنسيس، بطرس بويا عزوز، سولاقا بولص، نوري يونان، منير عسكر، حنا عزو، حنا توما، حبيب المالح ، روفائيل عبدالاحد، حبيب الياس. وفي 28/2/1965 خرجنا من السجن ووصلنا الى مديرية الامن العامة في بغداد، وبعد انتهاء التحقيقات معنا عدنا الى عنكاوا، وذلك بقرار من عبد السلام عارف باطلاق سراح المسجونين السياسيين.
اما حركة الانصار الشيوعيين فقد تشكلت في 1979 -1980 ، واستمرت في نشاطها طوال فترة الحرب العراقية الايرانية، وكان مركزها في منطقة ناوزنك في قلب المناطق الجبلية من كوردستان، وكانت هذه الحركة قد توزعت على ثلاثة محاور وهي: اربيل والسليمانية وبادينان. وكان قاطع اربيل يتكون من البتاليون الخامس والبتاليون 38 ، مع كادر اعلامي داخل كل قاطع، واثناء قيام حركة الانصار بعملياتها العسكرية، استشهد من عنكاوا عدد من المناضلين وهم: توفيق متي بابكة، زهير بهنام عسكر، فهد الياس هرمز، توفيق سيدا( ملا عثمان)، توما كليانا (فؤاد) وناصر بطرس كوركيس.  وقد قامت مفرزة من حركة الانصار مؤلفة من عدد من مناضلي عنكاوا بعمليتين عسكريتين داخل عنكاوا، العملية الاولى تم فيها نصب صاروخ B10 في ساحة مدرسة عنكاوا الابتدائية في 28/2/1980 ، وكان موجهاً الى دائرة الامن ومخفر الشرطة، اما العملية الثانية فكانت  بتاريخ 15/3/1982وفي تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً، حيث  قامت هذه المفرزة بمداهمة بيوت (الرفاق البعثيين) بغية تجريدهم من السلاح، اضافة الى العديد من العمليات العسكرية التي اشتركت فيها قوة الانصار من مناضلي عنكاوا ، ضد الجيش العراقي و(الجحوش) وذلك بالتعاون مع البيشمركة الكوردية، كما نفذت عمليات عسكرية اخرى في سهل اربيل وخوشناو وبرانةتي، استشهد فيها عدد من مناضلي عنكاوا الشيوعيين -كما ذكرنا- ومنهم: موفق رحيم، ونصير حنا توما. وفي مقابلة مع الرفيق عيسى عسكر بتاريخ 15/1/2009، ذكر بان الشهداء الآخرين هم جيمس يوسف ، باسم يوسف ، هاني يوسف ، هاني دنحا داود ، ويعتبر الياس يونان اول شهيد شيوعي من حركة الانصار المناضلة ، كما ساهم في هذه الحركة كل من: عيسى عسكر، سعيد الياس، فارس عزو، حنا يوسف، ليث لويس المالح، سامي بهنام المالح، سالم بهنام المالح، حكمت كوركيس، فارس كوركيس، ناصر بطرس، نجيب حنا عتو، توفيق يوسف الحكيم، جلال يوسف الحكيم، كما ساهمت المرأة العنكاوية في حركة الانصار الشيوعيين ومنهم: سليمة رحيم، ايمان لويس المالح، لليان لويس المالح، انها بحق ظاهرة نادرة في النضال التحرري وفي حركة الكفاح المسلح، وتشكل تاريخاً مجيداً ومشرقاً في تاريخ الحزب الشيوعي وفي صفحة نضالات عنكاوا ورموزها الثقافية، لتبقى هذه التجربة الغنية مفخرة للاجيال القادمة. وفي لقاء مع الاستاذ جورج منصور الذي كان احد الرفاق المشاركين في حركة الانصار بتاريخ 16/1/2009 ، حدثني قائلاً: كانت مساهمتي تتركز بالدرجة الاساس في المجال الاعلامي والصحفي، بعد عودتي من موسكو شاركت في هذه الحركة، وكنت احد المحررين في جريدة طريق الشعب التي كانت تطبع وتوزع من ناوزنك ، كما ساهمتُ في نشر واذاعة الاخبار من اذاعة صوت الشعب العراقي التي كانت تبث من قلب المنطقة التي كنا نتواجد فيها، بالاضافة الى نقل المطبوعات والمنشورات. وقد نشرتُ كتاباً بعنوان (راية وبندقية وغد آتٍ ) وانا في اتون تلك الحرب التي كانت تدور رحاها في المناطق الجبلية، كما ساهمتُ في دورات تدريب الحزبيين كمحاضر في موضوعات الفلسفة، وكانت لي مشاركات في العديد من النشاطات المختلفة. كما كانت بعض المفارز من الرفاق العنكاويين من حركة الانصار تقوم بتوزيع المنشورات السرية داخل عنكاوا، وكتابة الشعارات الثورية على الابنية والجدران، اضافة الى ايصال البريد الحزبي الى بقية الرفاق في عنكاوا. انها صفحة من صفحات النضال التحرري والكفاح المسلح، سُجلت فيها اروع الانتصارات رغم الامكانيات المحدودة، ومايزال صداها يرن في الآذان، ومازال الحزب في عنكاوا يواصل مسيرته في بناء عراق فيدرالي تحرري ديموقراطي ضمن دولة القانون.

نوري بطرس
37

تعليقات