دنيا ميخائيل وهموم الشعر المعاصر
لا تخلو الساحة الادبية والشعرية من مصطلحات مثل الادب
النسائي او القصيدة الانثوية، ومازال الجدل يدور حول حقيقة وجوده على ارض الواقع
مادامت الانثى تخط بقلمها احاسيسها ومشاعرها الى الاخرين، وعندما تخرج المرأة من
داخل جدرانها الاربعة وتقتحم عالم الشعر والادب والكتابة يعد ذلك طفرة في رأي
الكثيرين. لقد تغيرت هذه المفاهيم بعد سقوط الدكتاتورية ولم يعد الشعر ادباً
تعبوياً ملوثاً بدم الضحايا ومكرساً للنفاق والكذب والتغزل بالرصاص والراجمات
والصواريخ، هذا المشهد اختفى واخذت بوصلة الشعر تأخذ مساراً جديداً حداثوياً واخذت
المرأة تقتحم فضاءات ثقافية كافية للحركة والابداع وهو جزء مهم من ثقافة المجتمع
المدني .
من الاصوات الشعرية المعروفة في جيل الثمانينيات الشعري،
انها دنيا ميخائيل التي دخلت ميدان الشعر بعد تخرجها من جامعة بغداد وحصولها على بكالوريوس
في الادب الانكليزي، ثم على ماجستير آداب شرقية من جامعية وين ستيت في مشيغان
بالولايات المتحدة، على ان دنيا ميخائيل لا تعترف بوجود كتابة نسوية خاصة بها
تختلف عن الرجل، فليست هناك خصوصية في الشعر او الحياة والمجتمع، او قراءة اعمال
المرأة على انها نوعية تقيس مدى وعيها وانعكاساته في كتابتها، ورصد تحديات وجودها
وكفاحها في صنع كتابة نسوية حافلة باحلامها ومشكلاتها التي ظلت مكبوتة على مدى
قرون طويلة.
لقد حصلت دنيا ميخائيل على عدة جوائز منها جائزة حقوق
الانسان في حرية الكتابة من الامم المتحدة عام 2001، وجائزة PEN للشعر
المترجم عام 2004 ، و رشح كتابها (الحرب تعمل بجد) الى جائزة غريفن للشعر عام
2006، ومن اهم مؤلفاتها الاخرى (مزامير الغياب) وهو من اصدارات دار الاديب
البغدادية لعام 1993، وديوان شعر بعنوان (يوميات موجة خارج البحر) وهو من اصدارات
دار الشؤون الثقافية بغداد 1995، كما صدرت طبعته الثانية عن دار عشتار في القاهرة
عام 2000 ، وديوان آخر بعنوان( على وشك الموسيقى) عن دار نقوش عربية في تونس عام
1997، وصدرت الطبعة الثانية لديوانها (الحرب تعمل بجد) عن دار المدى في دمشق عام
2001 ، ولقد استطاعت الشاعرة توظيف التقنيات الحديثة ورسائل الهواتف النقالة في
قصائدها، حيث تفاعلت النصوص مع العالم الرقمي الذي يراد به الحداثة الناشئة ان تغوص
في سمائه، كما تفعل السرديات من البريد الالكتروني، وها هي دنيا تتحدث عن رسائل
الحبيب في شعرها وفي قصيدة بعنوان: بريدك الالكتروني، مصورة الفرح برؤية لمعان
الرسائل، والوحشة من غيابها وما يعم العالم كله عندما تتسلم عيناها حروف
الايميل:
عندما ترد على الايميل
كل الكواكب تأتي اليَّ
حتى بلوتو يلتحق
ودودة القز تعلن نفسها فراشة
وها هو الفضاء والاثير الذي تنتقل عبره الرسائل ليخدم
لهفات وتشوقات غزلية تقليدية، فان التقنية موظفة هنا، والنثر كوسيلة تجاوز لاجترار
عواطف عادية ومشاعر مباشرة في ماتصنعه كلمات الايميل، ورسائل الحب العادية، ولا
استثمار لغرائبية الوسائط الجديدة، وربما احست دنيا وهي ذات تجربة غنية في الشعر
النسوي العراقي الجديد بصورة النص وهشاشته، فراحت تقحم العراق الجريح وعشتاره التي
مسحها التداول الشعري لتشاركها الانتظار، الا ان النص الاخر في قصيدة (العراق بعد
1001 )، ينجح في خلق التأثير الشعوري وروح المشاركة في المتلقي عبر التناص مع الف
ليلة وليلة وسردها الطويل كملحمة عجائبية، توازي ما سيحصل في العراق وما تتوقعه
الشاعرة كأمنيات بعيدة تبهرنا بساطتها ويصدمنا تأجيلها، تلك الاعوام كلها كقدر
اصاب العراقيين حين تقول:
في العراق
بعد الف سنة وسنة
شخص سيتحدث الى شخص اخر
اسواق ستكون مفتوحة لزبائن عاديين
شابات ستتمشى
في الشوارع
ولا احد يختطفهن
ان هذا النص مثال جيد على اقتناص لقطة تولد مالانهاية من
الصور الشعرية، اي ان دنيا بامكانها الاسترسال لتسجيل اضعاف ما ذكرته عبر مفارقة
بساطة الاماني وتأجيل تحققها كل تلك الاعوام، وفي قصيدة (الحرب تعمل بجد) تقول:
كم هي مجدة الحرب
ونشطة
وبارعة
منذ الصباح الباكر
تبعث سيارات الاسعاف
الى مختلف الامكنة
تؤرجح جثثاً في الهواء
تسلي الالهة باطلاق الصواريخ
وتمنح الجنرالات اوسمة
وتساهم في صنع الاطراف الاصطناعية
وتوفر طعاماً للذباب
ان الشعر الذي تكتبه المرأة يشغل بال الكثير من الكتاب
والنقاد ويحاولون الوصول الى نبضات مشاعرها وطريقة تفكيرها ولغة تعبيرها من خلال
ما تكتب وهي تبحث عن ذات جديدة من خلال تطورات المجتمع المعاصر، فلم تعد دنيا
رومانسية حالمة ، بل مارست في كتاباتها حياة المجتمع، فكلماتها خيول جامحة تأسرها
الذات باسلحة الارادة والرغبة في تكوين النص وجسارة الفعل الكتابي من خلف ابواب
القصيدة، وبهذه المغامرة الشعرية مهدت لهذا الشعور الذي دخلت به الى عالمها خروجاً
من الرتابة والانسكار والحزن ، وتعبر قفار الصمت الى عشب الوطن واخضراره،وطن يتعمق
ذلك الكيان الذي يحتاج استجابة الانثى، وطن صنع في نصها الشعري فاتحاً لبوابات
الامل مثل سحابة المطر التي تخصب الجدب، ومعانقة الهم اليومي، والهم التاريخي ،
وبذلك ارادت ان تغير نمط العلاقة بين تقاليد المجتمع وبوح الكتابة، وفيه يتعانق
الرمز والحلم والواقع.
المصادر
1- جريدة الاديب العدد 171
16 تموز 2008.
2- جريدة الصباح
العدد 1254 14 تشرين الثاني 2007.
3- مجلة المسلة العدد الثالث يناير 2005.
نوري بطرس
تعليقات
إرسال تعليق