(( العلماء والعوام))



(( العلماء والعوام))


عند النظر إلى الحياة نظراً نافذاً ونتفحص الظواهر والحقائق الحياتية تفحصاً دقيقاً، نجد أن القضايا الإنسانية المتعلقة بالخير والشر والنفع والضرر، والمسائل المادية والمعنوية الملتصقة بحياة الإنسان، يشترك في العلم بها الناس جميعاً العلماء منهم والعوام، من نشأ تحت سقف العلم ومن عاش تحت سقف السموات، لأن العلم بالأمور الحياتية مضانه ينبوع يتدفق من داخل النفس البشرية لا سيل يتدفق من الخارج، ولأن المعلومات كامنة في النفوس مكمن القوة في المادة. وما وظيفة العلم والعلماء ألا أستثارتها من مكمنها وبعثها من مراقدها، فلا تحسبن أن بين من نسميهم العلماء ومن نسميهم العوام – إن دققت النظر- ذلك الفرق الكبير الذي يتصوره البعض، فانك تجد إن الفرق الرئيسي يكمن في أن العلماء لديهم المعلومات منظمة وبمنهجية، والعوام يعلمونها مبعثرة من دون منهجية ، وأن هؤلاء يحسنون البيّان عن معلوماتهم وأولئك لا يحسنون بَيّانها. والدليل، أنك لا تجد حكمة تنسب إلى العلماء ويعدُها الناس مظهر علمهم، إلا وتسمع من السنة العوام ما يرادفها ويشاكلها ، كما أنك لا تجد قاعدة من قواعد المعرفة والأدب والأخلاق التي تعدها من النفائس، إلا وهي معروفة من قبل العوام ومتداولة بين الأميين والغوغاء والجهلاء.
ولعجز العوام عن بيّان ما يجول في خواطرهم وما يهجس في ضمائرهم من معلومات يلجؤون إلى من يعبر عن أفكارهم ويجمع لهم شتات المعاني المبعثرة في إنحاء أدمغتهم، ويشعرون بالغبطة التي نراها تعلق بنفوسهم عندما يشعرون أنهم تعلموا شيئاً لم يكونوا يعلمونه، أو أدركوا ما لا عهد لهم به من قبل، والحقيقة لا تعدو عن كونها أنهم وجدوا في أنفسهم لذة الأنس بأفكارهم وأراء تشابه أفكارهم وأرائهم.
ولا أغالي إن قلت أن معرفة العوام في بعض الأحيان تفوق علم العلماء ، لأنها معرفة خالصة من شائبة التكلف ولزوم ما لايلزم ويعلق بالنفس ويتغلغل بين طياتها، وكثيراً ما تجد بين العوام من تعجبك أستقامته وبين العلماء من يدهشك شذوذه.
وعليك إنزال العلماء كل بمنزلة، ولا تنظر إليهم نظرة تملأ القلب رهبة، ولا تغالي في ازدراء العوام، ولا تكن ممن يقضون حياتهم أسرى العناوين وعبيد الألقاب.
إن في خفايا الحقائق الحياتية، وضلال هذا العالم في مذاهبه ومراميه وتفرَقه مذاهب وشيعاً، وركوب كل فريق رأسه، ووقوف طلاب الحقيقة في كل دهر وعصر في مفارق الطرق حيارى، ينشدون فلا يجدون، ويجدون فلا يصلون، لدليل على ان بعض من يدعون بالعلماء أسماء بلا مسميات وان حقائق الأشياء والحكمة وإسرار الكائنات قد أستأثر الله بعلمها واحتجبها له وحده من دون عباده، ولم يمنحهم منها إلا بلة شفاه تملأ قلوبهم شوقاً كلما تذوقوا طعماً.
                                                                    سالم بولص إبراهيم
                                                                   المفتش العام
                                                                     وزارة الصناعة والمعادن

تعليقات