هل نحن أصحاب أرض أم ماذا........؟ 3-3
بطرس نباتي
في مقالتين سابقتين تناولت موضوع الارض وأهميتها
كركن أساسي في تعريفنا كشعب، ولم أقصد بالارض تلك الامتار المربعة التي نبني عليها
مساكننا وممتلكاتنا الخاصة، وانما قصدت بها الارض التاريخية التي ننتمي اليها
وتنتمي الينا، التي تشعرنا وتؤكد وجودنا كشعب اصيل ، ،ولكوننا قد توارثناها أبا عن
جد منتقلة َملكيتها عبر الآباء والاجداد ، يتوجب على أحفاد اليوم المحافظة عليها وعدم
التفريط بها، فكما تحولت ملكيتها الينا ،كذلك
سوف تتحول الى أجيالنا القادمة ، وأي تفريط
بهذا الحق من قبل اي كان ، يعني أستلاب حقوق الاجيال وبالتالي دفعهم نحو الهجرة و
الضياع كما يحدث اليوم، أدون هذه الاسطر ،كنتيجة لما شعرت به من اسى حين مقابلتي
لمجموعة كبيرة من شبابنا في العام الماضي في أسطنبول، حيث كانوا قد حزموا أمرهم
على الهجرة وترك الوطن من الاراضي التركية عبر اليونان تحت رحمة المهربين (القجقجية)
قلت لهم: لَمِ كل هذه المشقة والترحال في دروب خطرة؟، لَمِ هذه المجازفة؟ أنتم شباب خريجو الجامعات والمعاهد
العالية، وكان من بينهم أطباء جدد وصيدلي، أجابني أحدهم والمرارة تملأ قلبه ، لَمِ
البقاء في الوطن؟ لا يوجد تعيين ولا عمل ،
والاخر قال ، حتى الاراضي لم يبقوا منها شيئاً لبناء مسكن صغير لعوائلنا اذا ما
نوينا الزواج ، واخرون أدلوا بما يفيد الكثير من التشكي والتظلم لا أجد مجالا لذكره،
القصد مما رويته يكمن في مدى اهمية الاحتفاظ بالارض التي يضحي الابطال بحياتهم من
أجلها ،ألا تقارن الارض بالأم وبالاخت في معظم النصوص الادبية والفنية؟ وهذه الارض عندما تتعرض للأستلاب والتفريط بها هكذا من دون وجه حق أوتخطيط، وتقطع أوصالها من
أجل مصالح ذاتية أو البقاء في المناصب الرفيعة والاستثراء من ورائها ، أليس من
واجب الكل الدفاع عنها وفي مقدمتهم المثقفين؟ أتذكر في المرحلة المتوسطة
والاعدادية، كنا ندرس في مدارس أربيل ، و غالبا ما كنا نسير عبر اراضي قصبتنا مشياً
على الاقدام، وكانت حدود بلدية عنكاوا حينها تمتد الى ما كانت تدعى بقرية "ضباط
الصف"، اي تقريبا بمحاذاة الشارع الستيني في اربيل ، ويوما بعد اخر تقلصت هذه
المساحة جراء اقتطاع أجزاء منها لإنشاء المطار العسكري ومعسكر أربيل
أبان عهد النظام السابق والمطار المدني أبان العهد الجديد ،الذي أرتأى القائمون
عليه بجعله ملتصقا بعنكاوا مشيدا على أهم وأعز جزء من أراضيها، ولنسلم جميعاً بأن من الضروري تواجد
مثل هذه المعالم الحضارية والمهمة في أقليمنا
العزيز، أليس من الظلم أن يبقى أصحاب هذه الاراضي بدون تعويض عما فقدوه من أراضيهم؟
وهذا ما تناولناه بالتفصيل في مقالتينا السابقتين.
وفي أعوام الثمانينيات من القرن الماضي، أقتطع النظام
السابق (470 )دونماً أيضا من أراضي عنكاوا ، وتم تخصيصها للبحوث الزراعية، وجلب
شركة أسترالية لتعمل على تطوير الابحاث الزراعية ،ولنفس الغرض ، تم أطفاء (1000 ) دونماً
من أراضي قرية بحركة و(750) دونماً من أراضي (كردة
رةشة)، بعد أنتفاضة آذار
وبالتحديد في عام 1992، عاد مالكي هذه الاراضي الى زراعتها شأنهم شأن جميع المناطق الاخرى التي أستخدمت لغرض
البحوث الزراعية ، ولم تمض سنة أو سنتان
على زراعتها حتى تم تبليغ أصحاب الاراضي
العائدة الى عنكاوا فقط من دون المنطقتين الاخريين بتركها للبحوث الزراعية،
وتم تسييجها وحرمان أصحابها من حق زراعتها ، رغم أن هذه المساحة اليوم تقع في وسط
القصبة ولا تصلح للبحوث الزراعية ، وذلك لما تقتضيه البحوث الزراعية من مستلزمات
لربما تكون خطرة على الصحة العامة ، كالأسمدة والكيمياويات والسموم وغيرها ، ولكن
الغريب في الامر لو طبقت العدالة ،لكان لزاماً أن تعامل الارض المستغلة للبحوث في
المقاطعات الثلاث بالتساوي ، فلَمِ يحرم أصحاب أراضي البحوث في عنكاوا من أراضيهم
فيما يستمر أصحاب الاراضي في هاتين القريتين في زراعتها ؟ أين العدالة في الزمن الذي
يدعي الكل بأنه يسعى من اجل تحقيق العدالة والديمقراطية وغيرها من الشعارات
الرنانة؟... لنعود الى الاراضي الاخرى أي
التي أستملكت لمشاريع البناء السكني والتي أستغلت بعجالة وبدون مراعاة للقواعد المتبعة، حيث تم
توزيعها ، بدون تخطيط مسبق على غير مستحقيها
وتمتعوا بها وبأثمانها الباهضة بعد بيع معظمها للغرباء ،وإن سارت الامور هكذا ،سوف
لن يتبقى من الارض شبر واحد للاجيال القادمة. أما الامر الاخر الذي يحز في نفوسنا
جميعا ، قبل سنة او اكثر ،تم تبليغ أصحاب الاراضي عن طريق الصحف، بقيام بلدية
اربيل بالاستيلاء على جميع الاراضي الزراعية العائدة الى عنكاوا والواقعة الى جنوب
مطار أربيل الدولي ، وتمليكها عن طريق المساطحات لغرض إقامة المنشآت السياحية عليها كالفنادق
والمطاعم ،وتبلغ عشرات الدونمات ،ضمن هذه الاراضي كانت تقع قرية (دركاوا) ، متكونة من عدة دور مشيدة بشكل عشوائي
وبتجاوز على اراضي عنكاوا ، في سنة 2008 تم إزالة هذه الدور، ولكن الطريف في الامر،
أن اصحابها المتجاوزين قسراً على أراضي القصبة، تم تعويض كلاً منهم بقطعة ارض
سكنية مع مبلغ من المال، في حين خرج اصحاب الاراضي الحقيقيين من أهلنا في عنكاوا
من المولد بلا حمص ، كما يقال، وهنا تحضرني حكاية رواها صديق لي في عمّان قال: الملك
الراحل حسين رحمه الله أراد أن يضم أرضاً
مجاورة لداره ، فقدم لصاحبها عدة حلول مغرية ، أولها أراد ان يشتريها منه بسعر
يعادل أضعاف سعرها أو أن يعطيه مقابلها ارضاً تعادل ضعفها واكثر، من حيث المساحة
والجودة ، ولكن صاحب الارض رفض جميع عروض الملك ، معللاً بأن الارض عزيزة على قلبه
وأنها تحمل ذكرى آبائه وأجداده ،أحترم الملك رغبة الرجل وتعامل معه كجار عزيز لحين
وفاته ، بمثل هذه المثل الرائعة تتعامل حكومة الاردن وملكها مع أراضي وممتلكات
مواطنيها حيث تعتبر جميع الاراضي الزراعية ملكا خاصا لا يمكن المساس بها مطلقا، بينما
عندنا، ونحن الجار الاقرب للأردن، للأسف، بهذه السهولة تهدر أملاكنا وممتلكاتنا وتفرط بالارض العزيزة
وتحت مسميات شتى ، بالمساطحات تارة والتبرع بها لكل من هب ودب (حسب مقولة الزميلة
جنان بولص في مقالاتها) تارة اخرى، فمن يا
ترى سينبري ليوقف مثل هذا التفريط في الارض والممتلكات ، أهي أحزاب شعبنا؟والتي
أشك بوجود معظمها أصلاً وإن وجدت، فأنها
غارقة لحد التخمة بتحقيق مصالح شخصية لقيادييها ، وترويج الخصام والتفرقة على الاساس
الطائفي والمذهبي بالترويج لهذه التسمية او تلك ، أو حينما تتناطح وتتصارع فيما
بينها من أجل الأستحواذ على فتات من مقاعد الكوتا ( المكرمة) التي تخصص لشعبنا
وعلى مضض ،أم كتابنا المبتلون بصراع ابدي على صفحات ومنتديات الانترنيت؟ لا
يتداولون فيما بينهم غير أطنان من الشتائم والاتهامات الزائفة والصاق التهم وغيرها
، وكنت أتمنى أن يحاول أحدهم التعقيب او الكتابة في موضوع الارض الذي يهمنا جميعاً،
ولكن للأسف لم اشاهد احدهم ينبري ويعقب على أو حتى ينتقد ما تناولته سابقا حول ذات
الموضوع سوى القانوني الشهم (يعكوب ابونا) له كل شكري وتقديري ، في رأيي ولربما سنختلف
عليه أيضا، كما نختلف على تسمية شعبنا وعلى هل نحن قومية او شعب أو شرذمة ناطقة بلغة شواخص القبور؟ قبل مطالبتنا بالحكم
الذاتي او الفدرالي او حتى الادارة
الذاتية وغيرها من المصطلحات الكبيرة واللامعة ،علينا حث المسؤولين في الاقليم
والمناطق الاخرى التي تضم أبناء شعبنا ،بأحترام خصوصيتنا القومية ، وعدم فسح
المجال للتفريط بالارض المتبقية والاحتفاظ بها للأجيال القادمة، لأن من أهم شروط
الوجود القومي، هو وجود ارض عائدة الى شعب يسكنها ويستغلها بصورة عقلانية ،
ومطالبتنا للاخرين المتعايشين معنا بأحترام وجودنا، والاقرار بأصالتنا وأحترامها من قبل جميع الذين تربطنا معهم
روابط الجيرة والعيش المشترك، واحترام هذه
الجيرة يتأتى أولاً وقبل كل شيء، بوضع ضوابط وقوانين تنظم أستغلال الارض بشكل
عقلاني ومبرمج ، واعتبارنا من السكان
الاصليين، وتضمين الدساتير والقوانين العراقية مواداً تحترم هذه الاصالة..
تعليقات
إرسال تعليق