الوعود المــُعَتَّقة!

شؤون بلدتي

ان تُعتَّق الخمور سنينَ.. ليزداد طيبةً مذاقها، ويصبح رائقاً قوامها، امرٌ واردٌ.. امّا ان تُعَتَّق الوعود طويلاً! فهذا حتماً سيفسد طعمها ويفقدها مصداقيتها ومصداقية اصحابها.
الوعود المُعتّقة لا تُعَد ولا تحصى في بلدنا.. ففي كل هبة للانتخابات، ينبري المرشحون بتعديد وعودهم الوردية لافواه الجياع والعاطلين عن العمل، بل لكل فئات الشعب، المسحوقة والمتوسطة والمرفهة، ويلوحون لهم بالدواء الشافي في قِرَبِهم التي سيفتحونها امامهم لينهلوا منها ما يحتاجونه، فعند هؤلاء حلول سحرية لكل ما يعانيه الشعب من ازمات.. لا مستحيل في قاموسهم . واذا ما تم لهم ما ارادوا وجلسوا على الكراسي العاجية، نشفت قِربُهم و تبخر ما في داخلها من وعود قطعوها على انفسهم، ولو سُئِلوا عنها، قالوا: اصبروا ولاتتعجلوا، فانها تُعَتَّق! ليزداد سحرها وتأثيرها.. ومع الايام يفهم المخدوعون بان ما حصل لم يكن غير ضحك على الذقون، وان الوعود قد دخلت في دور السبات مع ضمائر اصحابها وذممهم .
كان كلامي مدخلاً لوعود طال انتظارها في (عنكاوا) لفترة زمنية ليست بالمعقولة ولا منطقية، ألا وهي توزيع قطع اراضٍ سكنية على مستحقيها .. هذا امر مللنا الكتابة عنه او حتى التحدث فيه، فالقوائم بالاسماء قد اطلقت قبل  ثلاث سنوات تقريباً، وكان الامر مرتجلاً كمعظم الامور التي تحدث في بلدتنا، وكالعادة، في غفلة من القانون وبغيابه..
وبعد أن أُثيرت زوبعة من الغضب الشعبي حول الموضوع، وبدأت تطفو على السطح احاديث وسجالات بين الناس بشأن التزوير والتلاعب المخزي، في ادراج اسماء غير مستحقة او وهمية او..او. بدأ المعنيون من اصحاب الشأن بنهر كل الذين قالوا ظُلِمنا او تظلموا الى حاميهم او تضرعوا الى ربهم.. واستمات هؤلاء دفاعاً عن (قوائمهم) التي حشروا فيها اسماء اهل بيتهم وذويهم واولياء نعمتهم وحاشيتهم وكل من جاء بـ(واسطة) من اهل النفوذ والسلطة.
عجيب.. غريب، انهم يدافعون عن الخطأ باكثر قوة مما يدافعون عن الصواب!!
ولكن امام الغضب الشعبي المتزايد تقرر تشكيل لجنة (غير مفوضة من الشعب)، لاعادة النظر في الاسماء الموجودة في قوائم توزيع الاراضي في عنكاوا.. وكما يدّعون، بان العدل كان ميزانهم وانهم قد وضعوا (الله) بين عيونهم، وخرجوا بقوائم منقحة مغربلة بغربال الحق والنزاهة لاغير!!
واخذوا يوقدون الامل في النفوس الحائرة ويبددون عتمة الشك فيها .. غدا ستطلق القوائم.. بعد غد .. بعد اسبوع .. بعد شهر وهلم جرا ... واليوم ها قد مر على هذه الوعود ما يقارب السنة، ولكن يبدو انها مازالت تُعتَّق في قِرَب اصحاب الشأن لِتختمر جيداً وتصبح رائقة كالخمور المعتقة.. عـجـبي!  كيف غاب عنهم انها وعود وليست خموراً؟!..
 فقد قيل قديماً (وعد الحر دين).. لكن الحر هذه الايام عملة نادرة، فالوعود تطلق يميناً ويساراً، لامتصاص غضب الناس ونقمتهم عند تصاعد حدة الازمات التي ندور في دوامتها .. مرت الايام والشهور والمطالبة مرت بفترة استرخاء قسري فرضتها عدم مبالاة المسؤولين بنداءات المطالبين بحقهم، الى ان بَحّت اصواتهم وجفت حناجرهم، ومعاناتهم بدأت تأخذ شكل العادة والادمان ، فغضبهم قد صعد الى عيونهم التي تنطق وتصرخ في وجه كل الذين يستخفون بمطالبتهم بحقهم الذي حُجب دون وجه حق، فقد تعضل داء (الارض) في بلدتنا، قدرها ان يكون داؤها العضال الارضَ، فأراضي المطار التي سُلبت، واراضي المساطحات التي بالمجان وُهِبَت، وقطع الاراضي السكنية التي بُعثرت بشكل غوغائي وعبثي.. واصحاب الحق ينتظرون يائسين خائفين من ان تتسرب الارض بالخفاء الى اصحاب (الوسائط)، لينفضّ (المولد) ويخرجون منه صفر اليدين.. ويُقال لهم: كل شيء انتهى .. وانتهت حكاية الارض وتلاشت .. فانسوا الامر ولا تذكروه ..
الى من وَعَدوا ولم يبروا بوعودهم ..فيما مضى سكت الناس لانهم دفعوا غالياً ضريبة الكلام ...
اليوم يجب ان لا يكون كالبارحة.. وعلى اصحاب الحق ان يعرفوا على اية ارض يقفون؟ ولمصلحة مَنْ تُحجب الاراضي ؟!


جنان بولص كوركيس
37

تعليقات