هل النسيان نعمة ؟!


هل النسيان نعمة ؟!



في حياة الانسان محطات في بعضها يطول الانتظار وفي بعضها يقصر.. وهناك محطات لانتظار قادم من بعيد نلتقيه بلهفة ودموع الفرح تنساب مهللة معلنة ابتهاجها، او دموع الندم وطلب السماح حين لم يذكره او يتذكره وهو في الغربة، وقد تكون المحطة مجرد اقامة مؤقتة للانطلاق الى بحور الحرية المتلاطمة الامواج والتي يُعتقد انها بَرُّ الامان، فينطلق الفكر المتعطش للتحرر الى الغور في عوالم غريبة وهو يراها في الصور والاعلام، بانها المكان الملائم لحياته مادامت هذه الامكنة ستوفر له حرية الحركة.. لكن حرية الحركة هذه قد تكون في اللامكان واللازمان من دون ان يعي ان الحرية الحقيقية هي التي تنطلق من فكره، واذا كان الفكر لا يبحث عن البعد الحقيقي لمكنونات الابداع الانساني او البشري، مهما كانت توجهاته للوصول الى المعنى الحقيقي في هذا او ذلك المكان والزمان، ليكون فيه فاعلا مؤثرا في الحياة من دون فهم معنى الحرية، وان الحرية التي نفترضها بأنها الحياة الحقيقية التي هي الزمن في مكان نبتغيه، لكننا ننسى او نتعامى بان هذا المكان ليس قريباً من الشمس بالزمن الذي نعتقد اننا نتقدمه، وان الشمس الحقيقية هي حين تكون في فكرنا وان لا يكون هذا الفكر محصوراً بتكوين رأي قاطع عن الآخر، ونحدده بسياجات فننعته بمختلف الصفات الشنيعة لتبرير ضعفنا وسطحية ارائنا وسذاجتها، لاننا لانملك المقدرة على الحوار، بل نتجادل لتسفيه ما لا نتفق عليه مع الآخر، ولاننا لانتحمل راي الاخر ولا نحترم فكره، فان عقولنا تتجه الى البعيد الذي نجهله فنصطدم بما هو غير متوقع، وغير المتوقع هو ما يحدد حريتنا بالتصرف ضمن الحدود التي تحترم رأي الاخر مهما اختلف عنا بالمعتقد والرأي ، ونجهل ان التحاور مع الاخر نلتقي بانسانيتنا، والحوار لا يحتم علينا عدم اظهار بواطن الخلل او انتقاد سلوك، وهذا لايعني عدم احترام رأي الاخر.
الحرية هي ان تكون محطة مراجعة للذات، لا ان تكون مكانا لانطلاق الانسان بعيداً عنها حتى لا يغادر فكره صومعة الارادة الحقيقية في الحياة، وان يضع امامه مرآة غير مشوَّهة وغير مشوَّهة لتكشف مكامن الخلل، ناصعة نقية بدون اي تشويه او تغيير او تجميل، حتى لا ينام الانسان آمناً مطمئناً وهو مهمش غارقٌ في بحور الاوهام.
ان من حقنا ايجاد محطات راحة لاعادة انسنة حياتنا بشرط ان لا تكون الراحة طريقاً يوصلنا الى الكسل المؤدي الى الخمول ثم الى الخمود فالانطفاء.. كثيراً ما نبحث عن راحة البال، واللعبة التي نستسيغها في كلمة (اِنسَ) التي بها نهيء للعقل والفكر تناول جرعة مخدر، لننعم باحلام سعيدة رسمتها لنا سرابات الطُرق من دون ان نعي ان المحطة الحقيقية هي باعمال الفكر للنهوض بمقومات الحياة الحقيقية.
سلام مجيد

تعليقات