فكرت كثيرا بما اتمكن ان ارفد به هذه الجريدة العزيزة
على القلب والواسعة الانتشار بفضل و سعي العاملين فيها، لم اجد الا ان ابحث واكتب
عن ظاهرة جنوح الاطفال الاحداث في مدارسنا الكوردستانية والولوج الى ساحات العمل
المرهق.. واني لم اقصد بالجنوح الوقوع في مهالك الجريمة، لان الجاني بنظر رجال
القضاء والقانون يعد مرتكبا للجريمة ويحاسب عليها، انما كنت اقصد كل طفل او حدث
بسبب تعنته او اعتياده على العصيان انفلت من قيادة والديه او القائم على تربيته،
وكل طفل اعتاد التهرب من المدرسة او البيت ويؤذي او يعرض للاذى او الضرر اخلاقه او
صحته او اخلاق وصحة الاخرين.. للجنوح عوامل ذاتية ومحيطية، ولهذا وصفه الاستاذ بغت
في كتابه (جوانب العلاج النفسي في جنوح الاحداث) بانه ظاهرة بايولوجية اجتماعية،
وهناك علاقة وثيقة بين الجنوج والبيئة، فان كثرة الجنوح وانتشاره يجب ان يعتبر
دليلا قاطعا على حاجة المجتمع الشديدة الى الاصلاح قبل ان يعتبر وصمة عار على جبين
الجاني .. وعرّف الباحث الامريكي ارنولد كزل الطفل على انه قطعة حية من الطبيعة
مشتبكة بنسيج من العلاقات الانسانية المترابطة.. عليه فان قلّة الثقافة وتفشي
الفقر والحرمان وازدحام البيوت والغرف بالسكان وفقدان الرقابة والقدوة السيئة
وانعدام الترفيه والتسلية البريئة، كل ذلك يعتبر من اسباب التمرد والجنوح والنزعة
التخريبية في السلوك، وفي انتشار ظاهرة السرقة، وانتهاك الاعراض والتزوير.. الجنوح
ليس ثورة عارمة انما هو انحراف يتجمع ويزداد شيئا فشيئا، يبدأ بالمخالفة البسيطة وينتهي
بالجرائم الخطيرة، وتظهر بوادره في البيت والشارع وحتى المدرسة، اذن فالمعلم ذو
النظرة الفاحصة يستطيع ان يستدل من تصرف هذا الطالب اليافع على مدى الانحدار في
سلوكه الاجتماعي مستقبلاً، فيمنع ذلك قبل استفحاله ويساعده على تفهم مشاعره
ودوافعه ويكشف له عواقب وخطورة عمله وفظاعة الطريق الذي هو في بدايته، ثم يُهيء له
من الفعاليات الثقافية والاجتماعية ما ينمي فيه كرامة النفس والترفع عن كل الدنايا
والمثالب .. المدرسة قادرة على القيام بهذه المهمة، بانشاء مركز لارشاد الاطفال
وتوجيههم ومعالجة التخلف المدرسي بتحسين طرق التدريس، وتهيئة المكتبة النافعة، وحث
الطلبة على الدراسة وتشجيعهم على المناقشة الفعلية، وارسال باحث او باحثة لبيت هذا
الطفل للاطلاع على بيئته، وعلى المدرسة ايضاً اختيار معلميه، على ان لا يكون منهم من
عرف بالقسوة او كره لمهنته او الاستهانة بالواجب... ان الوقوف على اسباب الجنوح
كالفقر وفقدان الوالدين او الرفقاء الاشرار الذين يشجعون صديقهم على الجرائم، كل
ذلك يشجعنا على كشف بواطن الامور قبل وقوعها لتسهل مكافحتها ومعالجتها.. في مجالس
الاباء يتطلب بحث بواكير الجنوح مع اولياء الامور، لان في المدارس تلتقي فئة كبيرة
من الاطفال الابرياء بفئة قليلة من ذوي الطباع او الميول الشريرة، فيأخذون منهم
هذه الطبائع، لذا يجب ان نبادر بالمعالجة السريعة لتنقية المحيط المدرسي من
الاشرار والقدوات السيئة، فهذا لا يقل اهميةَ عن تربية الابدان وتنوير الاذهان
والنفوس .
تعليقات
إرسال تعليق