ابو يوسف
دعوة طال انتظارها من اهل الخارج او الداخل الأمر سيان،
المهم ان تأتي هذه الدعوة العتيدة.
ولقد جاءت اخيراً بعد مَطْلٍ كثير من صاحبها... "اليوم
الساعة السابعة مساءً تكون عندي في المكتب". ماعلاقتي بالمكتب. وانا لا افقه
في الهندسة والمقاولات ولا اموال عندي اوظفها تحملني على تلبية مثل تلك الدعوة .
ولما حان الاجل الموعود لم استطع ان اكبح نفسي فأخذت
سيارة اجرة والى المكتب اياه ..
كان ص. ح يجلس الى جهاز حاسوب كبير يعمل ومن حواليه على
المقاعد يجلس افراد، كل اثنين يتحدثان بحديث.. بعد القاء التحية ومصافحة الجالسين
واحداً واحداً، جلست بالقرب من صاحبي يفصل بين وجهي ووجهه ذلك الكومبيوتر العظيم
لكن حديثه كان يصلني بوضوح، اخيراً نهض من مكانه وجاء ليجلس الى جانبي.
- سأكتب لك صكاً بمائتي الف دينار كدفعة اولى تساعدك في
عملك. وكان قد زارني في عملي قبل ايام وشاهد مدى الفقر الذي تعانيه دكاني بسبب
الحصار.
بالحقيقة كنت أُمَنّي النفس بضعف هذا المبلغ حسب حاجتي
واقتداره، لكن اكتفيت دفعاً لتهمة الطمع وخاصة انها المرة الاولى.
كانت امواله تتضاعف وانا الحياة تضيق بي مع توالي السنين
واشتداد الحصار وغياب اي امل في رؤية النور في آخر النفق، ولابد من اعادة الكرّة
طالما يوجد من يفتح لك بابه، فراجعته ومعي مشروع، هذه المره اتأمل ان يغير من
واقعي، وهذا ما كنت اتوسمه فيه ان يعمل على تغيير الواقع، لكنه اكتفى بان يعطيني
صكاً ثانياً بمائتي الف اخرى. السنوات تطول والحاجة تزداد الحاحاً ونظري قد تعلق
بالمكتب الذي يفيض ذهباً، فلماذا لا اذهب مرة اخرى واخرى اذا لزم الامر؟
- هذه مائة الف اخرى ، ولكن لتعلم ان الله موجود وماعليك
الا الأتكال عليه، وان تكثر من الصلاة فهي تقويك وتعينك على كل مشاكل الحياة.
لقد بدأ يتنصل ويعتقد ان الطُعْم قد وقع في فم الشبوط!
بدأ الشك يتسرب الى نفسي، ولكن لابد من التأكد من
النوايا، وربما يكون في زيارة اخرى القول الفصل.
- هيا معي اوصلك بسيارتي ونبحث قضايانا في الطريق.
في السيارة وبعد
ان كلمني بألطف الكلام وشجعني كثيراً ثم مد يده لي بورقة نقدية فئة خمسين دولاراً
اخرجها من جيبه وناولني اياها، الدولارات الخمسون كانت تعادل خمسة وسبعين الف
دينار في وقتها، إنه الان يلقي الي بقطعة نقدية كما يفعل اي شخص مع الاولاد الصغار
او مع (الشحاذين) .
لقد تأكد لديّ ما يدور في خلده، انه يريد ان يحوّلني الى
شحاذ يستجدي الصدقة، وهذا ما ينسجم مع مفاهيمه التي ترسخت لديه بعد ان افترقنا منذ
زمن بعيد، اختلفنا فيه فكريا وها قد جاء الزمن الذي يخدمه ويحقق أمانيهِ .
اخذتُ الورقة النقدية وشكرته ووعدته بأني بالتأكيد سوف
اعود اليه لنكمل المشوار، لكن تلك كانت مقابلتي الأخيرة معه، اما تلك الورقة
النقدية فأردت ان احتفظ بها لكن الحاجة كانت اقوى، فجعلتني ازدردها مع طعم لن
انساه ابداً، هو ان صاحبها كان متيقناً من أنني قد تحولت الى شحاذ.
تعليقات
إرسال تعليق