الاول من نيسان.. كذبة تأريخية


الاول من نيسان.. كذبة تأريخية

ماذا لو اخبرتك عزيزي القارىء انك ضللت وان العنوان لا يعبر بتاتاً عن مضمون النص بصدد استعراض تأريخ وحوادث الاول من نيسان. بل نحن بصدد ابتداع العديد من الامور كي نسترعي انتباهك أكثر. ماذا لو تابعت كتابة الاكاذيب، هل ستمل وتتوقف عن القراءة؟ ماذا لو اخبرتك إنني لا اتقن الكتابة بتاتاً وانني فرضت نفسي بالقوة كي أعكر مزاجك الهادىء افتراضياً. حسناً، يمكنك الابتسام الان، لقد كنا نمازحك قليلاً، لا بأس يحق لنا ذلك فاليوم هو الاول من نيسان انه يوم الكذب، إذن فلنكذب.
بدأ فصل الربيع بيومه النيساني الاول المعروف بكذبة الاول من نيسان، وهل هناك اجمل من شهر تبدأه بالكذب ولا تحاسب على ذلك.. يقول الكاتب الامريكي مارك توين: "الاول من نيسان هو اليوم الذي نتذكر فيه من نحن خلال (364) يوماً من السنة"، وهكذا فالكذب لم يكن يوماً حكراً على الاول من نيسان، بل هو عادة متأصلة في النفس البشرية تبدأ من اصغر الامور واسخفها لتصل الى الاكبر فالاكبر حتى ان البعض يدمنها، لكن ما يميز الاول من نيسان عن غيره من ايام الكذب هو انه مباح ومسموح وان لم تمارسه فأنت تحلق خارج السرب، وباختصار ان كنت تكذب في يوم واحد من السنة فأنت اقرب الى القديسين منه الى البشر، اما ان كنت من اولئك الذين يكذبون احياناً فأنت بشري وبشدة، وان كنت تكذب طوال السنة فأنت تعاني من مرض الكذب وبأمس الحاجة الى المساعدة. دعنا الان عزيزي القارىء من شوائب النفس البشرية ولنقدم ما يتوجب علينا القيام به في هذا اليوم العالمي:
اولاً، عليك الانتباه من كذبة محاكة أو مقلب يتم اعداده لينال منك. ثانياً، عليك التفكير جيداً بخدعة ما أو قصة ما كي تقدمها لاصدقائك في هذا اليوم. تكمن روعة الاول من نيسان في انه يوم عالمي يمكنك الاحتفال به ولن يكلفك ديناراً واحداً، كل ما عليك القيام به هو الكذب.
وفي الوقت الذي تحتفل فيه جميع الشعوب بيوم الكذب المباح يمتنع الشعبين الاسباني والالماني عن الاحتفال به، فهو يوم ديني للاسبان وميلاد بسمارك للالمان. ومن هنا انتشرت ظاهرة كذبة أول نيسان في العالم واصبح كل بلد يحتفل به على طريقته، ناهيك عن بعض الخرافات التي الحقت به، ومنها ان كل رجل يتزوج في ذلك اليوم ستسيطر عليه زوجته، أو ان كل من يولد في ذلك اليوم سيكون محظوظاً في كل شيء إلا في لعب القمار.
تختلف التسميات التي تطلق على ضحايا الاول من نيسان، ففي فرنسا الضحية التي تنطلي عليها هذه الخدعة تعطى لقب "سمكة نيسان" حيث ان السمك الفتي يكون ساذجاً وسهل الاصطياد.
اما الانكليز فيطلقون على الاول من شهر نيسان يوم جميع المغفلين والحمقى. وتبقى الحادثة الاشهر تلك التي قامت بها احدى جرائد ستار الانكليزية التي اعلنت في آذار عام 1746، عن اقامة "عرض عام للحمير" في غرفة الزراعة لاحدى المدن من البلاد الانكليزية، فهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا بكثرة وانتظروا، فلما اعياهم الانتظار وسألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا شيئاً، فعلموا انهم انما يستعرضون انفسهم فكانهم هم الحمير.
أما رومانيا فهي احدى الدول الشغوفة بهذا اليوم، ولعل المقلب الاشهر هو الذي قام به رسام مشهور بملك رومانيا كارول، خلال زيارة هذا الاخير لاحد متاحف العاصمة، فقام الرسام برسم ورقة مالية اثرية من فئة كبيرة على ارضية احدى القاعات، حينها أمر الملك أحد الحراس بالتقاطها، فكرر الحارس محاولاته عبثاً، ولم يتوقف الرسام عند هذا الحد بل قام بهذه المزحة خلال فترات اخرى، فرسم صوراً لسجائر مشتعلة واخذ يراقب الزائرين المذعورين يهرعون لالتقاطها خوفاً من اشتعال الارضية الخشبية.
وفي قصة اخرى قامت احدى الصحف الرومانية بنشر خبر لم تتأكد من صحته، ذكرت فيه حادثة انهيار سقف احدى محطات السكة الحديدية في العاصمة ومقتل واصابة المئات، وقد اثار هذا الخبر بلبلة وذعراً دفع المسؤولين الى محاكمة رئيس تحرير الصحيفة الذي تدارك الأمر بذكاء، فاصدر ملحقاً كذب فيه الخبر مطالباً مَنْ يطالبون بمحاكمته بالتدقيق في تأريخ صدور العدد، ولحسن حظ رئيس التحرير صادف الاول من نيسان، ومنذ ذلك الحين قامت الصحيفة بنشر خبر مماثل في الاول من نيسان من كل عام.
اما في السويد فقد اعلنت الاذاعة السويدية اكتشاف انزيم يسمح للابقار بانتاج الماء، وقد عقب احد المزارعين على الخبر، بان هذا الاكتشاف الجديد سيكون له فوائد اقتصادية، اذ ان ارباح المياه التي ستنتجها الابقار تفوق تلك التي تجنى من انتاج الحليب.
ان كانت الشعوب الغربية تدأب بحماسة للخروج بافكار مبتكرة، فان الاول من نيسان ينحصر في عالمنا العربي ببعض الاكاذيب التي بات معظمها مستهلكاً، كالاتصال باحدهم وابلاغه بان احد افراد عائلته في المستشفى، أو انه شاهد حبيبته تخونه، أو ان سيارته قد سرقت..الخ.
واغلبية هذه الاكاذيب تكون عادة بسيطة تتعلق بالأمور الشخصية لاثارة الضحك، لذلك فان الضحية وان كان يتردد عند سماعها الا انه يصدقها بحذر لعلها تتضمن بعضاً من الحقيقة. وقد تتخذ الاكاذيب طابعاً اكثر تعقيداً فيشترك فيها عدد اكبر من الاصدقاء والمقربين فتتحول الى كذبة محبوكة بعناية.
وقد تخرج الكذبة احياناً عن هدفها الخفيف فتكون ثقيلة مؤذية، لذلك نجد ان الاول من نيسان في عالمنا العربي اما خفيفاً جداً أو ثقيلاً جداً، والسبب يعود الى واحد من أمرين، اما اننا شعوب لا نتقن الكذب حين يُفرض علينا، أو اننا لا نتحمل اية كذبة كبيرة.
كل كذبة نيسان وانتم بخير
اعداد: حبيب عسكر

تعليقات