من ذاكرة التاريخ العدالة في العراق القديم


من ذاكرة التاريخالعدالة في العراق القديم



لقد سادت العدالة بين البشر عندما شرع اول قانون في بلاد الرافدين الذي ارسى القواعد الاساسية في علاقات البشر في جميع انحاء المعمورة، وان التطور المستمر في حياتهم وحياتنا اليوم كانت لبناته الاولى تلك الشرائع التي وثقت العلاقات الانسانية، وهنا لابد ان نستذكر ان اول سابقة قضائية في تاريخ البشر وردت مسجلة في احدى الوثائق السومرية التي تعود الى اواخر الالف الثاني قبل الميلاد، وهذه السابقة القضائية تتحدث عن جريمة ومحاكمة وعقاب، تقول الوثيقة: "ان ثلاثة رجال (حلاق وبستاني ورجل اخر) اشتركوا في جريمة قتل انسان.." وتحدثنا الوثيقة ان القتلة ولسبب مجهول اخبروا زوجة القتيل بجريمتهم، ولكن العجيب ان الزوجة بقيت صامته ولم تخبر السلطات! الا ان يد القانون في سومر كانت قوية فلم يفلت هؤلاء المجرمين منها.. والقي القبض عليهم، ثم عُرضت قضيتهم على الملك (اور – نينورتا) في العاصمة . وقام الملك بدوره بتحويل القضية الى جمعية الشعب في مدينة (نفر) لكي تنظر في القضية، علما ان سبعة رجال قاموا بمهمة الادعاء العام واعلنوا ان طائلة العقاب يجب ان لا تقتصر على القتلة الحقيقيين وانما يجب ان تشمل المرأة زوجة القتيل، حيث سكوتها وتسترها على المجرمين جعلها شريكة لهم قانوناً، وانبرى من الجمعية رجلان اخران يمثلان الدفاع وقالا : ان سكوت المرأة وعدم الاخبار عن الجريمة له ما يبرره! لان القتيل كان مقصراً في رعايتها، وهي ليس لها يد في الجريمة ولا يترتب عليها عقاب.. وصدر حكم الجمعية بمعاقبة المجرمين الثلاثة بالقتل، حسب بنود الشريعة التي تشير الى ان قانون (العين بالعين و.. ) كان سائداً، اما الزوجة فقد برأتها المحكمة لانها ليس لها يد في الجريمة، وهذا ما ايده عميد كلية القانون في جامعة بنسلفانيا الامريكية قائلاً : لا تعتبر الزوجة شريكة بالجريمة من الوجهة القانوينة، وان مجرد سماع اي شخص بوقوع جريمة لا يجعله مذنباً وشريكاً بتلك الجريمة طالما لم يساعد او يواسي او يقوّي المجرمين، علماً ان الادعاء العام طلب بانزال اشد عقاب على هؤلاء لانهم ارتكبوا افظع جريمة عرفتها بلاد سومر، لانهم تعاونوا على قتل رجل كان يقوم بحراثة المعبد المقدس، ومثالاً في حرصه على ممتلكات المعبد منذ اعوام طويلة، وهو عابد كرّس معظم حياته في خدمة المعبد بكل نزاهة واخلاص، في حين اكد الدفاع على مضي اثني عشر عاماً على زواج موكلته من زوجها الضحية وان علاقتهما كانت جيدة ولم يحدث اي خلاف بينها وانجبت منه طفلين..
.. وهكذا تحدثنا عن العدالة في ظل دولة سومر وهي اقوى من عدالة اليوم!

الحقوقي: احمد اغا مكرم
منشور في عدد 39

تعليقات