مرت ليالٍ كثيرة و أنا لا احلم بكِ، وحتى في نهاراتي بدت صورتك غير واضحة،
لذلك كدت أنسى بأنني كنت معكِ في يوم من الأيام، الى ان فاجأتِني برسالة على
الهاتف النقال تعاتبينني لعدم اتصالي بكِ، وتجرحين كبريائي لأنني عاهدتُ نفسي ان
لا اكون من يبدأ بالاتصال، بعد ان حدث ماحدث بيننا في آخر لقاء من حوار ساخن اكثر
من سخونة الحوارات الدولية.. وبهذه الرسالة تذكرت بان التنازل للاخر لا يعني الضعف،
وان من يبدأ الشجار ليس ضرورياً ان يكون هو الذي ينهيه، وهكذا اجبرتِني ان ارد على
رسالتك بأن اطلب موعداً..
والتقينا.. كان لقاء ساده الصمت وتحدثنا حديث العيون، ولاول مرة شعرت بانه
حديث له معنى اكثر من حديث اللسان، لانه بعد مرور حين من الزمن اكتشفنا واحدنا
الاخر اكثر مما قلناه في لقاءآتنا السابقة..
حوار العيون علَّمنا ان لا نجامل (بكلام معسول) على حساب الحقيقة، وان يتكلم
اللسان من القلب المحب رغم الاختلافات في التربية والتقاليد التي وصلتنا من
الاجيال السابقة واماكن حياتنا الماضية. نظراتنا الصافية لبعضنا كشفت لنا الانسان
النقي الذي في داخلنا، بعيداً عن كل تأثير جاءنا بعد الوجود الاول لنا في هذه
الحياة (اي منذ ولادتنا)، وعندها علمت لماذا في المسلسلات والافلام على الفضائيات
(وخصوصاً الاجنبية) يقول مَنْ يريد الحقيقة من الآخر "دعني انظر الى عينيك أو
انظر الى عيني". وعرفت بانه مهما يصدق اللسان فان للعيون التأثير الأقوى،
وكأنما الانسان يغوص في اعماق النفس البشرية للشخص الاخر.. واثناء حوارنا الذي لا تسمعه
الاذان لم نشعر بان ايدينا تلاقت وكأنما التقت ارواحنا بعيداً عن اجسادنا، وهنا
جال في خاطري كم وكم من المصافحات الحارة تحدث بين البشر، وقد يتبادلون الكلمات
الرنانة و المنمقة، وفي نفس الوقت لاينظر احدهم الى الآخر خوفاً من ان ينكشف الزيف
الموجود في الاعماق..
وفي نهاية اللقاء اتفقنا ان اعلان الحب والمودة لا يمكن ان يتم بالرسالة أو
الكلام عن بُعد، وقررنا اذا اردنا ان نكون دائماً معاً، فأن الحوار بيننا أو مع
الاخرين من حولنا ان لم يكن حواراً بالعيون فعلينا الحذر كل الحذر.
نوئيل الطباخ
تعليقات
إرسال تعليق