بطرس نباتي
عنكاوا يمكن اليوم اعتبارها ناحية نموذجية لما
نطمح ان تكون عليه بقية مدن وقصبات العراق،
وحالة عنكاوا ليست وليدة اليوم إنما هي امتداد لما كانت عليه قبل سنين مع تحسن
واضح في بعض الخدمات والبناء والعمران. قبل احصاء 1987 بأشهر، أختارت الجهات المسؤولة عن الاحصاء عدداً من القصبات والمحافظات لإجراء احصاء
تجريبي يكون بمثابة تمرين للاحصاء الرسمي، وكانت عنكاوا من ضمن المدن الثلاث المختارة
لهذا الغرض ،وقبل ان تطبق وزارة المواصلات نظام البطاقات الذكية في اتصالات اربيل،
جربتها في عنكاوا. ومن مميزاتها اليوم، تواجد عدد كبير من المسؤولين الحزبيين
والمنظمات الدولية والشركات الاجنبية ،مفضلين السكن فيها على غيرها من القصبات والمدن،
لما تتمتع به من خصوصية اجتماعية وطبيعة اهلها المسالمين المكرمين للضيف والمستطرق
وخاصة الذي يحترم نفسه ويحترمهم، إضافة
لما تتمتع به من نظافة شوارعها وانتظام أزقتها، ولكن هناك مشاكل يعاني منها اهل
عنكاوا الطيبون، منها تكرار الاعتداءات التي تصدر من بعض المستقوين بالمسؤولين، وأستهتارهم
داخل شوارع وأزقة البلدة. ومن ظواهرها الرائجة: شرب البيرة والمسكرات داخل
السيارات الخاصة وتجوالهم في القصبة بدون رادع، التحرش بالنساء وخاصة عند تواجدهن
في اماكن غير مزدحمة، وهذه الظواهر ليست وليدة اليوم، أيام زمان ،كان من يريد
الاعتداء على أحد ما في عنكاوا يقابله شبابها بالضرب المبرح حيث كان شعارهم حينذاك عبارة (دؤقن )
وتعني بلغة السورث (أضربوا)، فما كان أحد الشباب يطلقها بوجه غريب معتدٍ ، حتى تنهال على المغضوب عليه عشرات
الصفعات والركلات ليدموه وليجر أذيال الخيبة والالم، حالفاً بأن لا تكتحل عيناه
تارة اخرى بمرأى هذه القصبة المسالمة للمسالم والزائر المُحترم لنفسه والتي تنقلب
فجأة الى لبوة متوحشة عندما تُستَفز، هذا كان في الماضي، ولا نريده مطلقا لجيل
اليوم، المثقف الواعي الذي يعرف حدوده ويعرف جيداً الالتزام بالقانون والنظام، وخاصة
نحن هنا في الاقليم، نسعى ان يسود القانون وأحكامه في جميع مفاصل الحياة، ونتخلص
من كل ما يربطنا بشريعة القبيلة او الغاب، وأن لا يبقى مجال للمقولة القبلية (انا
وأخي على أبن عمي وأنا وأبن عمي على الغريب)، هذه الظواهر التي نعترف اليوم
بانها كانت سلبية وغير حضارية، ستبقى مطمورة
في قاع ذاكرتنا، فلعنكاوا سواء شاء البعض ام ابى، خصوصية وتميز من نواحي عديدة وفي
مقدمتها الجانب الاجتماعي للمرأة، فكما هي حرة في أختيار ما يلائمها من الملبس،
لها كل الحرية أيضا في أختيار شريك حياتها، ولها الحق ان تتحرر من الحجاب وأن تكون
عصرية لا فقط بمظهرها واكسسواراتها، وأنما ان تكون كذلك في مجمل حياتها. عدم فهم
طبيعة هذا المجتمع والعلاقات الاجتماعية السائدة فيه من قبل البعض يولد عدم تقبل
لهذا الوضع، وبالتالي الى بروز حالة من الاستهتار او عدم احترام الاخر، وبدل أظهار
العديد من التصرفات الانسانية من قبل الزائر،
يقوم بإخافة الاخرعن طريق الاستقواء بالمسؤول
الفلاني، والادعاء بإحضار فرق من المسلحين للدفاع عن تصرفات شاذة ورعناء يرتكبها
للأسف وسط غياب للإجراءات الامنية والرادع القانوني، وهناك اسباب اخرى في رأيي،
هذه القصبة الصغيرة حالها كحال باقي مدن كوردستان، اصبحت اليوم نتيجة سوء الاوضاع
الامنية في العراق ملاذاً امناً للعديد من العوائل القادمة من بغداد أو من وسط
وغرب العراق، وهذه العوائل تعودت في موطنها على حياة اكثر انفتاحا مما كان سائداً
في عنكاوا ، ومن المظاهر التي جلبتها هذه العوائل، أشتغال ألأنثى في الحوانيت
ومحال بيع المشروبات وغيرها، إضافة الى ما
نلاحظه في زيادة عدد البارات والاندية وحوانيت بيع المشروبات الروحية، فأية مقارنة
نجريها بين ما فتح في عنكاوا من هذه الاماكن ومع ما انجز من مشاريع وأبنية، نكتشف
أن ما يخدم المشهد الثقافي عندنا لا يرتقي الى المستويات الادنى التي بلغتها
المبالغ المصروفة على بناء اماكن اللهو والشرب، وكأن اختصاص القصبة أو مهمتها
تقتصر فقط على اللهو والترفيه عن الغرباء والمستطرقين، اما الفعل الثقافي
والفني وما يقتضيه من بناء المسارح والقاعات
والأبنية، أصبحت كلها او معظمها بحكم المؤجل او حتى الملغي، ولا ندري متى يتفضل
المسؤولون عن هذه المشاريع لينفظوا عنها التراب، ولئلا تكون هذه الابنية التي تخدم
العمل الثقافي والفني، مجرد مشاريع على الورق او خرائط صماء تراود الاحلام الوردية
لمثقفي وفناني بلدتنا الرائعة .
تعليقات
إرسال تعليق