اشكرك ايتها الوفية



عنكاوا.. هذه الابنة الفائقة الجمال التي لم أُنجبها.. محبتها قد جبلت في قلبي وفي قلوب الكثيرين من اهلها وساكنيها.. اسمها عندما يُذكر يشد الآذان والاسماع اليه، وتتلبد السحنات بغمامات الحزن والكرب ويَترقرق الدمع في العيون، عندما تُذكر انتهاكات وقعت بحقها وبحق اهلها..
ساحرة؟ أي نعم.. آسرة؟ أي نعم.. ولكن، ما سر سحرها؟..
فتنة جبالها الشاهقة؟ خضرة سهولها الشاسعة؟ أم زرقة مياهها الجارية المتلألئة؟! هي لا تملك من كل هذا شيئاً.. فالجبال بعيدة عنها كل البُعد، ومعظم سهولها الخصبة إمّا سُرقت أو جُرِّدت من  ثوبها الأخضر الجذّاب فأصبحت جَدْْبة قاحلة، وساقيتها الوحيدة التي كانت تقسمها قسمين، قد نشف ماؤها ومُحيت آثارها.. اذاً، ما سر سحرها؟! يبدو ان سحرها يكمن في طيبة اهلها ودماثة أخلاقهم الراقية، انه سحرٌ ربانيٌّ نادرٌ لا تكلف فيه ولا مغالاة، يعكسُهُ جوهر نقي قلّ مثيله، فهو لا يُشترى ولا يُقلّد، كامنٌ في (جينات) اهلها، متوارثٌ اباً عن جد.. نحن إن عشقناها وتولّهنا بحبها، امرٌ واردٌ لاننا منها واليها راجعون.. اما الذين نزحوا اليها مؤخراً وسكنوها، فقد كان قاسياً إنتقادهم لها، و مريراً جائراً عتابهم على اهلها..لكن مع مرور وقتٍ ليس بالطويل، خَفَّتْ حدة اصواتهم التي كانت تطعنها بلا رحمة وبدون وجه حق، وبدأوا بتثبيت اقدامهم في ارضها الوفية، يُشيدون الدور ويستثمرون الاموال وينعمون برزق طعمهُ حلو بحلاوة عنكاوا، لقد ثملوا بسحرها وانتشوا بعبق طيبها. وعندما انحسرت الاعمال الارهابية في مناطقهم الاصلية، القليل الذي ودّع عنكاوا، كانت الحسرة تملأ قلبه على فراقها، والكثير الذي استقرت جذوره في ارضها، فهو غير راحل الاّ اليها. اما الذين احبوا عنكاوا وشغفوا بها لحظة ما وطأت اقدامهم ارضها، تغزلوا بها وانبروا مدافعين عنها عند الإساءة اليها، وكتبوا عنها من القلب.. انهم حقاً اهلها الجُدد، فاهلاً بهم في احضانها ومرحباً..
 عنكاوتنا، ايتها الوفية للاوفياء لكِ.. ما أنا سوى كاتبة رأت مدينةً تُسبى.. وتُسرق.. وتذبح بشكل عبثي ومجاني وغوغائي.. وصَرَخَتْ على الورق حيناً وبوجه السرّاق حيناً آخر. صراخي لا جنسية له.. فهو ليس يمينياً ولا يسارياً ولا ليبرالياً.. وسأظل أصرخ ما حييت، بوجه الفساد والمفسدين الجشعين، وامام الوحشية و الانتهاكات البربرية.. هذا هو اقل واجب تجاه بلدة ولدنا من رحمها الطاهر المنزه، وترعرعنا في حضنها الدافىء الحنون، و لم اكن انتظر أية هدية أو مكافأة.. إلا أن تجربة الانتخابات البرلمانية التي خضتُها مؤخراً كشفت عن اصالة معدنها النادر الوجود، فهو سبيكة تجمع الصدق والوفاء والطيبة والعرفان بالجميل معاً. هذه التجربة الانتخابية التي و إن لم يكن الفوز فيها حليفنا لاسباب عدّة اهمُّها، ان نتائج الانتخابات لم تكن إلاّ قراراً سياسياً بحتاً.. الاّ ان فرحتي كانت كبيرة.. كبيرة، بتفوق قائمتنا في عنكاوا وحصدها لاكبر عدد من اصوات الناخبين فيها.. انتهت الانتخابات وسكت ضجيجها، إلاّ أنّي كل يوم وحتى هذه اللحظة اصادف من يستوقفني ليروي لي كيف إنه كان مريضاً وتحامل على مرضه، أو عاجزاً عن المشي واستعان بعكازه، أو شيخاً هرماً تكابر على سني عمره، أو من كان قد اقسم اليمين بألاّ يشارك في العملية الانتخابية لشعوره بخيبة امل في سابقاتها، كسر يمين حلفانه وصوت لـي.. هذه المشاعر الصادقة وسام شرف احمله على صدري ابداً، و وفاؤهم دَين كبير في عنقي، وانا معهم على العهد ماضية لا أحيد عن طريقٍ سلكته بمنأى عن كلّ  الاغراءات ايّاً كان نوعها..  

 .. وافرالشكر والامتنان لكل الذين صوتوا لـِ (جنان)، لإيمانهم بكفاءتها وتفانيها في الدفاع عن حقوقهم ورفع الغبن والمظالم عنهم، وتيقنهم من حسن سيرتها وسلوكها وتكهنهم بنزاهتها وان جلست على كرسي البرلمان.
شكراً لكل الذين لم يصوتوا لي بملء ارادتهم، بعيداً عن كل الضغوطات والاعتبارات والإملاءات، ولقناعتهم بانني لستُ اهلاً لتمثيلهم في البرلمان.. شكراً لك يا عنكاوا يا اوفى الاوفياء.
                                                       الوفية لك ابداً
                                                جنان بولص كوركيس
منشور في العدد 41

تعليقات