من الثوابت لدى الانسان الغيور والحريص والمخلص أن يكون
صادقاً واميناً و وفياً في كل علاقاته مع الاخرين، يتعاون معهم ويساعدهم ويتعلم
منهم ويعلمهم ويشاركهم افراحهم واحزانهم وهذه هي الطبيعة الاجتماعية للبشر، إن
الانسان ومن هذا المنطلق يسعى الى خدمة الجماعة مادامت الجماعة تعمل على التقدم والبناء
وتُقدم في سبيل ذلك كل التضحيات المطلوبة، لذلك فان الانسان يقوم بفعل الخير
والبناء لانه يحقق نتيجة ذلك امله و امل الاخرين الذين ينتظرون منه ذلك. انني هنا
لست مثالياً في طرح هذه المبادىء، وانما هناك الكثير من الذين يحملون هذه المبادىء
الخيرة، بل والاكثر من ذلك ان كثيرين ايضاً قد ضحوا حتى بحياتهم من اجل ان يعم
الخير والسلام، وان يعيش بني البشر بالرفاهية ودون مقابل سوى انهم مواطنون مخلصون
وثابتون على مبادئهم، ولم تكن تغريهم بذلك كل ملذات الحياة ومكاسبها من مال وجاه
وكراسي الحكم والسلطة، وهكذا كان شأن الانبياء والرسل والقديسين، وكذلك عاش اباؤنا
واجدادنا في تعاون و وئام واخلاص، وكلما تدور الالسن بذكراهم نقول بان كلامهم حكمة
يجب ان يسطر بمداد من ذهب ويعلق فوق رؤوسنا وامام اعيننا حتى نقتدي بهم، وان يردعنا
عن فعل ما لا ينسجم مع المبادىء التي ذكرناها، من هنا اقول (ان يردعنا) لان
الانسان في العصر الحالي بات يسعى الى تحقيق المكاسب والوصول الى مبتغاه بكل الطرق
التي يستطيع المرور بها، سواء كانت مشروعة ام غير مشروعة، هدفه بذلك تحقيق الربح
الحرام أو تبوء مركز لا يستحقه أو الجلوس على كرسي ليس له، و مع الاسف فان الذين
يصلون الى هذه الاماكن يكون همهم الوحيد تثبيت دعائم كرسيهم ناسين بان الكراسي لو
دامت لغيرهم لما وصلت اليهم، ومن ثم البدء بما يدور في اذهانهم وبالطرق التي
ذكرناها، بالانتفاع من هذا المركز والانتقام من خصومهم قدر استطاعتهم، محاولين
استعمال سياسة فرق تسد، ومن اجل هذه الغاية ينتقلون من هذا المكان الى اخر ومن هذا
الولاء الى ولاء اخر، وتراهم في كل حين يسيرون خلف احدهم، و لا يركنون الى حال الا
قدر استفادتهم منه، وما اكثر هؤلاء في ايامنا هذه وخاصة إن الكعكة يسيل لها اللعاب
ويدور حولها هؤلاء المنتفعون، حيث نراهم مَن يمدحونه اليوم لا تمر فترة الا وهجوه،
وينتقلون من صف الى اخر سعياً وراء ما لا يستطيعون الحصول عليه لانهم ليسوا أهلا
له، والانسان الذي يتلون هكذا ينكشف امره سريعا، فهو يشبه الحرباء التي تتلون.
وصدق الشاعر حين قال:
ومهما تكن عند امرىء من خليقة وان خالها تخفى عن الناس تعلم
لا يمكن ان يخفى ضوء القمر في ليل ساطع، وسينكشف الذين
يصيدون في الماء العكر والذين يحاولون الوصول الى ما يريدون دون كفاءة ومقدرة،
عليهم أن يراجعوا انفسهم قبل فوات الاوان، وان يصححوا مسارهم الاعوج قبل ان تجرفهم
السيول وينكشف امرهم، وتقوم الجهات التي توصلهم الى غير مستحقاتهم بغسل يدها منهم،
وعند ذلك لا ينفعهم شيء في هذه الدنيا، وماذا ينفع الانسان اذا ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟
والثابت على اخلاصه هو الدائم وهو الناجح وهو الذي لاتفعل الرياح فعلتها به، وصدق
الامام علي (رض) حين قال:
و لا خير في ود امرىء متلون اذا الريح مالت مال حيث تميل
تعليقات
إرسال تعليق