الآليات التنظيمية للإشراف على عمل منظمات المجتمع المدني



 


منظمات المجتمع المدني هي كيانات غير هادفة للربح أُسست للنفع العام، وهي شخصيات اعتبارية تقوم على مساهمات المتبرعين والمحسنين تهدف إلى تقديم خدمات إنسانية خيرية في مجالات اجتماعية أو دينية أو تعليمية أو ثقافية أو صحية، سواء بصفة نقدية (مالية) أو عينية لأفراد أو جهات معينة.

لتحقيق أهداف هذه الكيانات بشكل أكثر شفافية وثقة، فان ذلك يتطلب تطوير آليات تنظيمية للإشراف، تُساهم في منع إساءة استخدام هذه الكيانات للتشريعات واللوائح التنظيمية، بحيث يتم تطبيقها بشكل سليم من قبل الأعضاء وفقاً لإجراءات اللوائح الداخلية لتلك المنظمات، وهذه الآليات ينبغي ان تطبق وفق المحاور الرئيسية الآتية:

1.        المحـور القانونـي:

من بين أهم ما يلزم مراعاته بهذا الشأن، إصدار تشريعات خاصة تنظم عمليات إنشاء وعمل منظمات المجتمع المدني وآليات الإشراف عليها، على ان تتضمن هذه التشريعات ما يلي:
أ‌.        تحديد الجهة المخولة بالإشراف على هذا القطاع ومراقبته (حكومية أو أهلية) وتحديد المهام والمسؤوليات والصلاحيات الموكلة لهذه الجهة.
ب‌.  الآليات والشروط اللازم التحقق منها قبل منح التراخيص لإنشاء منظمات المجتمع المدني والتي من بينها :
أولاً. التحقق من أهداف ونشاطات كل منظمة قبل منح الترخيص.
ثانياً. مراجعة الأسماء المرشحة لعضوية المجالس التنفيذية في المنظمة، ومدى توافق مؤهلات الأسماء المرشحة مع المعايير الموضوعة المتعلقة بالتأهيل والسمعة الحسنة.
ج. الموارد المتاحة للمنظمة والاستخدامات وطرق المراجعة المالية.
د. منح الجهة الإشرافية صلاحيات اتخاذ العقوبات المناسبة بحق المنظمات المخالفة للتعليمات، وصلاحيات عزل المسؤولين أو العاملين في هذه الجهات الذين يثبت عدم مناسبتهم لهذا العمل.

2.        المحـور الإشرافـي والرقابـي:

يعتبر تحديد سلطة مختصة (حكومية أو أهلية) تتولى مسؤولية الإشراف والرقابة على منظمات المجتمع المدني في الدولة، واحد من اهم المتطلبات الضرورية التي يتم من خلالها التحقق من التزام المنظمات بالضوابط الموضوعة من قبل الجهات الإشرافية وعملها وفقاً للأهداف المصرح بها بعيداً عن إساءة الاستغلال، وعلى الجهات الإشرافية القيام بتحقيق المهام والأهداف المرسومة لها من خلال وضع معايير وقواعد ومتطلبات محددة يلزم التقيد بها وتطبيقها من قبل المنظمات ضمن نطاق سلطاتها، ومن بين اهم المعايير والإجراءات الإشرافية ما يلي:

‌أ.            تعزيز الشفافية والإفصاح:

يعد العمل الخيري عملاً تطوعياً لا يهدف إلى تحقيق الربح، وبالتالي فهو يقوم بشكل أساسي على مدى الثقة المكتسبة بالمنظمات والقائمين عليها لدى المجتمع، حيث تعمل هذه المنظمات على جمع الأموال من المتبرعين (الجهات المانحة) والمحسنين واستخدامها في أغراض خيرية محددة أو إيصالها الى مستفيدين معينين مستحقين لها، لذلك فأن الشفافية والإفصاح تعدان وبشكل خاص في مثل هذا النشاط من المعايير المهمة جداً حيث لا تقتصر على مساعدة الجهات الإشرافية في تحقيق مهامها الرقابية فقط، وإنما تساعد ايضاً في تعزيز وزيادة ثقة أفراد المجتمع والمتبرعين من ان الأموال المتبرع بها يتم صرفها فقط وفقاً لأغراضها الأساسية ولا يُساء استخدامها أو صرفها لمستفيدين أو أنشطة غير تلك المعلن عنها عند جمع هذه الأموال.


‌ب.        اختيار القائمين على العمل:

يعد حسن اختيار القائمين على المنظمات احد أهم عوامل نجاح وسلامة العمل الخيري، حيث يساهم في سلامة النشاط، ويمكن للجهات الإشرافية المسؤولة عن منح التراخيص ومراقبة العمل الخيري ان تقوم بوضع معايير ملائمة محددة يلزم تطبيقها عند اختيار القائمين على المنظمات بشكل يضمن اختيار الأشخاص المناسبين وحسني السمعة للعمل في هذه الجهات، وكذلك وضع القواعد التنفيذية لسير أعمال هؤلاء الأشخاص، على أن يراعى في كل ذلك عدم التدخل المباشر في الإجراءات المرسومة في اللوائح الداخلية للمنظمات مما يمكن عدّه مساساً بأستقلال وحيادية تلك المنظمات.

‌ج.         تعزيز الدور الرقابي للجهات الإشرافية:

لمتابعة أعمال هذه المنظمات والتحقق من مدى التزامها بالأنظمة والتعليمات ذات العلاقة، ينبغي إتباع العديد من الآليات المتاحة ومن بينها: القيام بالزيارات التفتيشية الميدانية والإشراف المكتبي وإلزام هذه المنظمات بإعداد قوائم مالية محاسبية سنوية يتم نشرها للعموم بعد تدقيقها ومراجعتها من قبل مدققي حسابات خارجيين معتمدين يتم تعيينهم لهذا الغرض، كما يمكن كذلك إلزام المنظمات ذات الأنشطة الكبيرة بإنشاء إدارات رقابة داخلية لديها تُعنى بمتابعة اعمال هذه المنظمات ورفع تقارير دورية للجهات الإشرافية، ومساعدة هذه المنظمات في وضع نموذج لانظمتها الأساسية وكذلك قواعد استرشادية محاسبية تشمل السجلات والمستندات وإعداد الموازنات المالية، وقد تتبنى الجهة الاشرافية دعم هذه الكيانات من خلال تحمل تكاليف المدققين الخارجيين او نسبة منها، وعدم السماح باستثمار الأموال إلا بموافقة منها وإشراف مباشر على هذه الاستثمارات.




3.        ضبط الجوانب المالية:

يعتبر جمع وصرف الأموال النشاط الأساسي الذي تقوم عليه منظمات المجتمع المدني، لذا فإن ضبط هذا الجانب يعد من الأمور الأساسية الكفيلة بمنع إساءة استغلال هذا القطاع، ويمكن للجهات الإشرافية المعنية في الدولة القيام بذلك من خلال وضع ضوابط إلزامية تنظم هذه العمليات عن طريق الإيقاف الكلي لعمليات جمع الأموال وصرفها بشكل نقدي، والاستعاضة عن ذلك باستخدام الحسابات المصرفية التي يمكن من خلالها ضبط آليات الصرف من حسابات المنظمات وتوثيق العمليات المنفذة وتتبعها مستندياً عند الحاجة ويمكن وضع ضوابط خاصة بتنظيم عمليات جمع الأموال وصرفها وآليات فتح وإدارة الحسابات المصرفية الخاصة بهذه الجمعيات عن طريق التنسيق بين الجهات الإشرافية المعنية بالقطاع الخيري والجهات الإشرافية المسؤولة عن القطاع المصرفي في الدولة، ومن بين أهم الضوابط اللازم مراعاتها بهذا الشأن ما يأتي:-

‌أ.           ان لا يتم فتح حسابات مصرفية لأية منظمة غير هادفة للربح إلا بعد حصولها على ترخيص رسمي من الجهة الإشرافية المعنية عن هذا القطاع، وبعد استيفاء كافة المتطلبات النظامية اللازمة والتي من بينها الحصول على موافقة الجهة المسؤولة عن الإشراف على القطاع المصرفي، على ان يتم فتح مثل هذه الحسابات بأسم المنظمة وليس بالاسم الشخصي لأي من رؤوسائها أو مدرائها أو اعضاء مجلس إدارتها.
‌ب.     إيقاف عمليات جمع الأموال وصرفها بشكل نقدي من قبل المنظمات وإلزامها باستخدام الحسابات المصرفية في كافة عملياتها ونشاطاتها، وقصر عمليات الصرف على صكوك لا يتم صرفها إلا للمستفيد الأول عن طريق الإيداع في حسابه بالمصرف.
‌ج.       توحيد الحسابات المصرفية الخاصة بكل منظمة بحساب تجميعي رئيسي واحد فقط، تتم عملية الصرف من خلاله بغرض تسهيل عملية متابعتها ومراقبتها، مع إمكانية فتح حسابات فرعية من الحساب الرئيسي عند الحاجة لأغراض التبرع وليس لأغراض الصرف.
‌د.          منع عمليات التحويل الخارجي من حسابات المنظمة إلا بعد الحصول على موافقة من الجهات الإشرافية المعنية في الدولة.
ه- عدم السماح بإدارة الحسابات المصرفية الخاصة بالمنظمة إلا بتوقيع مشترك من قبل شخصين مخولين من قبل المجلس التنفيذي في المنظمة، بعد استيفاء هوياتهم وبياناتهم الشخصية والبيانات الشخصية لأعضاء مجلس الإدارة.
‌و.         استيفاء بيانات الهوية الخاصة بالمتبرعين أو المستفيدين من الأموال المودعة أو المحسوبة من حساب هذه الجهات.
‌ز.        توجيه المصارف بتطبيق متطلبات سياسة مبدأ اعرف عميلك، واتخاذ سياسات وإجراءات رقابية معتمدة للتقيد بالشروط الموضوعة من الجهات الإشرافية للتعامل مع الحسابات والعمليات الخاصة بالحسابات العائدة للمنظمة وحسابات جمع التبرعات، وتطبيق السياسات والإجراءات الخاصة بمراقبة العمليات، والإبلاغ عن العمليات المشبوهة، وتطبيق معايير الحسابات عالية المخاطر على هذه المنظمات.
‌ح.       قيام الجهة الإشرافية بتدقيق المنح والمساعدات المقدمة من الجهات الدولية والمحلية المانحة، والتأكد من مشروعية المشاريع المراد دعمها بتلك المنح، مع التحقق من عدالة توزيع تلك المنح على المنظمات.





سالم بولص إبراهيم

تعليقات