منذ تفتح وعيه السياسي على الحياة في سن مبكرة من نشأته
الرجعية، هو يقاوم دعوات النساء وصراخهن الذي لا يهدأ للمطالبة بحقوقهن، وفي مقدمة
هذه الحقوق "المساواة بالرجل" وكان اكثر ما يثير عجبه الى حد الضحك
الهستيري احياناً هو هذه المساواة، فحيثما نظر من حوله وجد المرأة كما الرجل، تقف
في الكشك وفي المصانع والاعمال الحرة، وهي كذلك معلمة وطبيبة و وزيرة وعضو برلمان
وشرطية تقبض الرواتب والاجور، وترقص وتغني وتدفع التوقيفات التقاعدية، وترتشي
وتسرق وتصوم وتصلي وتتزوج وتترمل وتفرح وتحزن وتبكي وتضحك وتمرض وتهرم وتموت،
شأنها في ذلك شأن شريك حياتها. وكلما أجرى مقارنة توصل الى نتيجة واحدة تفيد بان
الرجل هو المظلوم الوحيد في المعادلة، فاذا كانت المرأة بحكم التكوين الرباني
تتحمل متاعب الولادة وآلام المخاض والولادة، فان الرجل بحكم الظلم الدنيوي مجبر
على إعالتها والانفاق على الاسرة ودفع ملايين الدنانير للنيشان والمهر والزواج
وغرفة النوم، مثلما عليه وحده ان (يخدم العلم) خدمة إلزامية واخرى (احتياطية) قبل
ان يتم الاعتراض على العلم وتلغى خدمته الاجبارية، بينما المرأة غير معنية بتكاليف
الزواج وكأن الأمر لا يخصها، وليست معنية كذلك لا بالعلم و لا بالخدمة العسكرية و
لا بالبدل النقدي، وفوق هذا وذاك فان الوقائع والشواهد كلها تؤكد بأن السيادة
المظهرية على البيت للرجل، أما السيادة الفعلية فلها، وانها صاحبة الكلمة الاخيرة
حتى لو كان على شفة الرجل شارب.
بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق وأيامه السود، تشكلت
ثلاثة الاف منظمة وتجمع واتحاد ورابطة نسوية تلتقي عند هدف واحد هو توجيه اللعنة
للرجل واتهامه بالظلم، وتدعو الى التساوي معه، وقد ارتبك المفهوم وترجرجت المطالب
في ذهنه وسأل كثيراً من غير ان يحضى بجواب شافٍ، إذا كان الرجل ظالماً، فهل تطالب
المرأة بمساواتها به لكي تكون ظالمة مثله؟ الحقيقة كانت أفكاره عدوانية متطرفة ضد
النساء للأسباب التي بين أيديكم، وهي افكار متأثرة بتربيته الرجعية -كما سبق القول-
ولكنه بعد ان إطلع على مقالة ظريفة غيرت نظرته وموقفه، وبدأ يصحح بوصلة افكاره، فقد
كشف عن الظلم التأريخي الذي تعرضت له المرأة، ليس على يد الرجل وانما على يد
(قواعد اللغة العربية) التي أنكرت عليها حقوقها، وذلك عبر اسلوب (تغليب) المذكر
على المؤنث، فالشمس مؤنث والقمر مذكر واذا ما إجتمعا كانت الغلبة للمذكر، فنحن
نقول مثلا (الشمس والقمر يتعاقبان) ولا نقول (تتعاقبان) فجاء إستعمال الفعل
بالتذكير وليس بالتأنيث، مع ان الشمس مصدر الضوء، أما القمر فجسم مظلم يستمد ضوءه
منها، و لو اجتمع رجل امّي واحد ومئة إمرأة مثقفة فنحن نقول (هؤلاء النساء وهذا
الرجل مثقفون)، وفي جمع المذكر السالم اشترطت القواعد النحوية ان يكون المفرد
المذكر (عاقلاً) مثل: (مخلص-مخلصون) ولكنها لم تشترط في جمع المؤنث السالم ان يكون
المفرد المؤنث عاقلاً، ولهذا يجتمع في المؤنث السالم العاقل وغير العاقل كقولنا:
(معلمة - معلمات)، (بقرة - بقرات)، وقد لاحظ في الكتب الرسمية والاوامر الادارية
بان المسؤول الاعلى يكتب عنوانه الذكوري مع التوقيع إذا كان رجلاً فيقول: (المدير
العام) اما المرأة فليس من حقها ذلك، و لا يجوز ان تكتب (المديرة العامة) وانما
(المدير العام). وبذلك فانه يقف مع المرأة بكل شجاعة ويتعاطف مع حقوقها المشروعة،
ويدعو الى اعلان العصيان المدني على اللغة وليس على الرجال المساكين!!
إعداد: حبيب عسكر
المصدر/ الصوت الاخر
المقال منشور في جريدة بيث عنكاوا عدد 42
تعليقات
إرسال تعليق