ضيف العدد 44 البروفيسور افرام عيسى يوسف


ضيف العدد

البروفيسور افرام عيسى يوسف







غادر سناط عام 1974  واستقر في مدينة نيس الواقعة جنوب فرنسا. في عام 1980 نال شهادة الدكتوراه بالحضارات من جامعة نيس، وفي عام 1981 نال الدكتوراه بالفلسفة من جامعة تولوز. له اصدارات عديدة باللغة الفرنسية، وهو احد الاعضاء المؤسسين للدراسات السريانية في باريس. منذ عام 1995 يشغل منصب مدير قسم الشرق الاوسط والمغرب العربي في دار نشر لارماتان احدى كبريات دور النشر الفرنسية. استقبلنا في مقر اقامته في عنكاوا، باشّاً ومرحباً بمقدمنا، احسسنا معه بالأُلفة منذ بدء اللقاء والتعارف، وكان لنا معه هذا الحوار: 
* ابحاثك ومؤلفاتك تُظهر ولعك الكبير بالفلسفة وتاريخ الحضارات، كيف رأيت حضارة وادي الرافدين؟
- تاريخنا هو تاريخ الانسانية، والحضارة بدأت من بلادنا، نحن بلد الحضارات، لذلك انصبَّ إهتمامي وما زلت مهتما بتاريخ الحضارات. ان لتاريخ بلاد الرافدين طبقات متعددة من الحضارات، بحدود 3100 ق. م بدأ سكان بلاد الرافدين الاوائل بالاختراع الاول والأهم في تاريخ البشرية، هذا الاختراع كان الكتابة.. ثم جاءت الحضارة الاكدية التي أعطت كياناً وفكرة لتأسيس أول إمبراطورية في العالم، ونظمت اللغة الاكدية التي يتكلم بها البابليون والاشوريون. إن الاكديين جعلوا من لغتهم لغة اكاديمية، واكثر الابداع الفكري والمثيولوجي والفني نجده في هذه اللغة، كما تطرقتُ في دراستي الى الحضارة البابلية وبالاخص شريعة حمورابي، لاننا في هذه الفترة دخلنا الى مرحلة جديدة من مراحل الفكر الانساني المتمثل بالقانون.. في المجتمع يوجد حقوق وواجبات، وقد اعطت مسلة حمورابي كياناً لهذه الحقوق (المسلة حالياً موجودة في متحف اللوفر في بارس)، إن اهتماماتي تنوعت، ومنها اهتمامي بالحضارة الاشورية وعظماء ملوكها، امثال اشور بانيبال في القرن السابع ق. م، وسنحاريب. أما في القرن الرابع ق. م، ازدهرت الثقافة والعلوم الاغريقية، وبعد دخول الاسكندر المقدوني الى بلاد الرافدين اسس مدينة سلوقيا التي تبعد عن بغداد 30 كم، وكذلك مدينة كرخ سلوخ (كركوك)، ثم قرر الاسكندر الاستقرار في مدينة بابل لتكون عاصمة لامبراطوريته الشاسعة الممتدة من مقدونيا الى الهند. أما في المراحل الاخيرة من تاريخ الحضارات، درست حضارة الدولة العباسية التي ازدهرت وانتعشت بفضل الفلاسفة والعلماء والمترجمين السريان.
* من سناط الى فرنسا، غربة ومعاناة.. كيف كان التحدي؟
   - عام 1974 غادرت ارض الوطن، وكانت سناط تعرضت الى تهجير اهلها، حالها حال مدن وقرى كوردستان الاخرى، لان القوات الحكومية العراقية هاجمتها، فسافرت وفي داخلي قلق وحزن.. حين وصولي الى فرنسا قررت ان ابدأ حياة جديدة مبنية على العلم والمعرفة.. في ذات الوقت كنت دائم السؤال، هل سأعود الى الوطن؟..  انا لم أنْهَرْ، بل نهضت بقوة وثبات، لان المستقبل اصنعه بيدي، فدخلت الجامعة ودرست فيها لسبع سنوات وتخصصت بالحضارات، في الوقت ذاته درست الفلسفة. للعلم أن القسم الأهم من دراساتي وبحوثي هو عن الفترة العباسية، وحين تعرفت على الفلاسفة العرب سألت نفسي، من اين أتت الفلسفة والعلوم الاغريقية عند العرب؟ اكتشفت ان العلماء السريان وفلاسفتهم لعبوا دورا هاما في هذا المضمار .
* الوطن وحضاراته العريقة ماذا يعنيان لك؟
- الوطن هو التربة والارض التي انبتت البذرة الصغيرة سنة 1944، هذه النبتة بحاجة الى جذورها وتربتها لتأخذ قسما من غذائها ونموها.. فمن منا لا يفتخر بأرض الرافدين العريقة الشامخة.
* تكررت زياراتك الى الوطن، كيف وجدت احوال شعبنا ؟
- كانت زيارتي الاولى سنة 2005، بعدها تكررت زياراتي لثلاث مرات، وجدت أن شعبنا قد دبت فيه الحياة، وتطور اقتصاديا، وبنى قرى مهدمة ومحطمة من قبل النظام السابق، ووجدت جمعيات متعددة ومنها الاشهر (جمعية الثقافة الكلدانية في عنكاوا) وكتبت عنها مفصلا مقالات طويلة في الصحف والمجلات الفرنسية، ولم انسَ عنكاوا التي شبهتها بمدينة روما، وكتبت عنها مقالاً بعنوان (روما الصغيرة)، واصفا هذه البلدة الجميلة بما تستحقه لما تمتلكه من ارث حضاري وثقافي، كما تجد فيها الكنائس الجميلة، وكلية بابل للفلسفة واللاهوت، والبطريركية، وانواع الرهبنات. وفي عنكاوا المركز الاكاديمي الذي انذهلت ببنائه الرائع وحدائقه الجميلة، وقلت لمديره: ربما سيكون هذا المركز جامعة شهيرة لشعبنا.
* كيف تقيم اعمال ومؤتمري المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري، وخاصة كانت لك مشاركة في المؤتمرين الاول والثاني للمجلس ؟
- في المؤتمر الاول والثاني ، كان يجب ان يكون المجلس خيمة لعموم شعبنا، لكن للاسف وجدت ان غالبية الاحزاب والجمعيات غادرت المجلس، لماذا ؟! لن اجيب عن هذا السؤال لان معلوماتي غير كاملة.
* ماهي مشاريعك المستقبيلة، وهل من مشروع تطمح اليه ويمكن تسميته بمشروع العمر ؟
- سنة 570 م تأسست مدرسة نصيبين، وهي اول مدرسة عالية (جامعة) التي أسسها الملفان نرساي، امنيتي وطموحي ان اتمكن من ربط الحاضر بالماضي، ونؤسس جامعة لشعبنا، مع كليات متعددة يتعلم فيها لغته ويتعرف على تراثه، وننشر ثقافات الحضارات للشعوب التي نعيش معها، من العرب، والاكراد، والتركمان، واليزيدية، والصابئة. فأنا اقول لنفسي، في القرن السادس تمكن ابناء شعبنا من تأسيس وبناء وتنظيم مدرسة نصيبين، ونحن الان في القرن الواحد والعشرين مع امكانياتنا  الفكرية والعلمية والمادية، لماذا لا نحقق هذا الحلم ؟ هذا ما يشغل فكري وعقلي وقلبي.. واخيراً اقول: انهضوا يا ابناء ارض الرافدين العريقة و واكبوا مسيرة النهضة والبناء..
بيث عنكاوا عدد 44

تعليقات