خلجات
حبيبتي والزلزال
جلست وحدي محاولاً الكتابة في موضوع ما وبدون هدف،
فتزاحمت الافكار ما بين التفاؤل والحب وعلاقة الناس مع بعضهم البعض، وكأن اعصاراً
هاجمني حاملاً معه امواجاً متلاطمة، ولم اعد استطيع ان اركز في اي من المواضيع
الآنفة الذكر ولا في غيرها.. وانا في دوامة الافكار، هلّت حبيبتي بوجهها الذي يوحي
بخبر سار، وانتهزتها فرصة لأهرب مما انا فيه، فوضعت القلم جانباً ودفعت بالاوراق بعيداً
عني.. سألتها ماذا عندك؟ فأجابت: -وقد زادها الفرح جمالاً- بأن جارتها التي كانت
تزوجت لأكثر من عشر سنوات، قد ولدت ابناً، ولكنها محتارة بماذا تسميه، فاقترحت
عليها ان تسميه "زلزال"! لمناسبة زلزال هايتي، وهنا استغربتُ من الاسم،
حيث ان ذلك يعني الدمار والخراب.. فأجبتها: ولماذا لا تنظرين من الناحية الاخرى،
حيث تداعت دول كثيرة ومنظمات لا حصر لها واناس كثيرون، حتى الفنانين والرياضيين
اكتشفوا بان المأساة جمعتهم والانسانية وحدتهم، وعلى الرغم من فقدان الكثيرين من
اهالي هايتي لانفسهم وتشردهم بقي لديهم الأمل بالحياة، حتى ان البعض منهم تجردوا
من الشعور الاخلاقي و بدأوا ينهبون المحلات والدور التي تركها اصحابها، وكأن
"مصائب قوم عند قوم فوائد"..
قالت حبيبتي: لم أفهم ماذا تقصد.. هل انت تهذي؟ وهل
الأمل بالحياة يؤدي الى ذلك؟!
قلت وتسألت: إذاً بماذا تفسرين ما حدث؟! ناس تعطي.. وناس
تأخذ.. أليس هو حب الحياة؟ ما هو هدف العطاء الاّ زرع الأمل عند الاخرين للتشبث
بالحياة، وبالمقابل هدف الأخذ (حتى عنوةً) أليس هو للبقاء في الحياة؟
وهنا، رأيت علامات الدهشة والانزعاج على وجه حبيبتي،
وشعرت بانها تنفر مني، واحسست بانني سأفقدها، فاستدركت بكلام هادىء ومتقطع: ولكن
هناك فرق بين الاثنين، ان العطاء الحقيقي (وليس من مصلحة ذاتية) يجعل الانسان يحيا
بشموخ واعتزاز وقيمة عليا، بينما الأخذ وبالصورة المذكورة، يجعله مذلولاً وبعيداً
عن معنى الانسان، ويشعر دائماً بالذنب وكأنه ليس على قيد الحياة على الرغم من انه
بين الناس.. ثم لنعد الى جارتك، ألم تكن خلال السنين السابقة تشعر بأنها ليست على
قيد الحياة؟ ولكنها بعد الولادة اصبحت وكأنها هي التي وُلِدتْ من جديد بتأثير
العطاء، وهل لاحظتِ انفعالاتها قبل الولادة وبعدها، ألم يكن ذلك زلزال؟ واذا نظرنا
الى الناس حوالينا و راقبنا بجد، من يعطي ومن يأخذ واسلوب ذلك، ألا نرى الزلزال
بعينه؟!
انفرجت اسارير حبيبتي وازداد وجهها اشراقاً، وذكرت
اموراً كثيرة عن الزلازل التي تحدث في العوائل والمجتمعات والتي لم تكن تلاحظها..
عندئذ شعرتُ بالارتياح وعدت الى قلمي واوراقي.
نوئيل الطباخ
تعليقات
إرسال تعليق