حبيبتي والنوم


خلجات
حبيبتي والنوم
نوئیل الگباخ

لقيتها ويا ليتني ما كنت ألقاها، تمشي وقد اثقل النعاس جفنيها.. وحين سألتها عن السبب قالت: كثرة النوم يا (حبيب صديقتي) هو العلاج الوحيد لملء الفراغ الذي أعاني منه، حيث كلما استيقظ لا ادري ماذا افعل، فاعود الى النوم مرة اخرى.. عجبت من امرها وسألتها: وكم تقضين على هذه الحال؟ اجابت وهي تتثائب: من 10 الى 15 ساعة في اليوم.. وهنا تساءلت مع نفسي.. لو عاشت –اطال الله في عمرها وقلل من نومها- من السنين 60 سنة، لكان نصف عمرها تقريباً قُضي في النوم.
تركتها وعُدت أبحث عن حبيبتي لأسألها كيف اختارت هذه الصديقة التي تعشق النوم، وتذكرت مثلاً من الامثال الشعبية "الذي ليس منه خير.. النوم احسن خير له".. وانا افكر بمسألة النوم ولماذا احد الشعراء قال لقومه "ناموا ولا تستيقظوا، ما فاز الاّ النوامون"، أطلت عليّ حبيبتي بوجهها الذي امتلأ نشاطاً وحيوية، وسألتها عن الصديقة (النعسانة) وكيف صاحبتها؟ هنا رسمت على وجهها ابتسامة جذابة نفذت الى اعماقي وقالت: لن اتكلم عنها، ولكني اتحدث عن نفسي: انني اعشق الحياة وأحب ان اتمتع بوجودي فيها، واعتبر النوم الذي يفيض عن الحاجة خسارة من العمر، وقد انام اقل مما احتاج لرغبتي الجامحة بالاستفادة من كل لحظة من لحظات العمر، سواءً في كسب الثقافة والمعرفة من شتى المصادر، كتباً و وسائل اعلام أو اصدقاء ألتقيتهم نقضي وقتاً جميلاً ومفيداً، فان لم استطع ان اكون ذا فائدة فيجب ان استفيد.. تصوَّر لو انني انام بمعدل 6 ساعات في اليوم، لقضيت 15 سنة في النوم -بفرض انني اعيش 60 سنة- (وتعجبت من الفرضية المشتركة بيننا بالعيش 60 سنة.. اطال الله في اعماركم)..
وسرحت في ذكريات سالفة.. قرأت مرة بان هناك بعضاً من المسؤولين عن المجتمع واصحاب الشأن من الذين بيدهم الحل والربط والحريصين على القيام بواجباتهم بأحسن مايمكن، لا ينامون اكثر من 4 ساعات في اليوم الواحد لا بل اقل من ذلك، ومع ذلك فانهم يقومون بواجباتهم بنشاط وحيوية، كما ترصدهم لنا اجهزة الاعلام.. وتذكرت الكثير من طلاب العلم والمعرفة الذين يؤمنون بالحكمة القائلة (من طلب العلى سهر الليالي)، بالرغم من قلة نومهم الاّ أنهم يؤدون اختباراتهم بنجاح وتفوق ليقدموا خدمة للمجتمع وللانسانية.. و.. احسست بأنامل رقيقة تربت على يدي وصوت ناعم يقول: اين انت ياحبيبي.. أرى انك لست معي؟ أجبت بتلعثم: بلى، ولكن اثارتني ذكريات رائعة.. كم كنا نسهر في مناجاة حالمة، لا مكان للنوم مادمنا مع بعضنا نرتشف الكلمات الحلوة ونتلذذ بصحوتنا، ونتبادل اشعار الغزل تارة ونتناقش في أمور الدنيا من افراح واتراح، ونغوص في اعماق الكتب تارة اخرى.. وتابعَتْ حبيبتي كلامي.. لم نقضِ وقتاً عبثياً ولم نتصرف عشوائياً حتى في افراحنا ولهونا.. كنا نسعد انفسنا والآخرين حباً بالحياة وتحمل مسؤولية وجودنا على هذه الارض، وتقديم كل ما يسعد الانسانية (حتى النائمة منها)، متمنين طول العمر للجميع ودمتم سالمين، وكل يوم تصبحون أو تظهرون (من الظُّهر) أو تمسون على الخير.
نوئيل الطباخ


تعليقات