الديمقراطية وحقوق المرأة


الديمقراطية وحقوق المرأة
اعداد: نوري بطرس

رحلة عمرها آلاف السنين
في البدء يمكن القول ان المجتمع الذكوري مازال يصنع ادواته لتقييد حرية المرأة وحقوقها، واولى المحاولات التي بدأت جادة للبحث في موضوع علاقة الحرية بقضية المرأة في عام 1792 لدى مارى ولستونكرافت في كتابها حول الدفاع عن حقوق المرأة، واذا ما عدنا الى التأريخ الانساني الشرقي القديم، فيمكن تلخيص وضع المرأة في المجتمع في صور بائسة عديدة، ففي الدولة السومرية كانت للمرأة بعض الحقوق المالية مثل حق التملك وحق الميراث، اما في بابل وحسب شريعة حمورابي فكان للزوج حق اهمال وتطليق زوجته، كما عرف مبدأ تعدد الزوجات، وكما ساد نظام عاهرات المعابد، والمرأة في الكتابات الهندوسية هي رمز الغواية والشر للرجل وبحسب عقيدة مانو فانها خلقت للزينة والفراش، لكن المجتمع الاغريقي كان متقدماً فكرياً لانه قام على انقاض حضارات سابقة مثل حضارة وادي النيل و وادي الرافدين، وفي اثينا بقيت المرأة تحت وصاية والدها حتى زواجها وله كامل الحق في تزويج ابنته متى شاء، كما كانت المرأة محرومة من التعليم والرقص والموسيقى، وفي التأريخ البشري وفي ظل النظام الاقطاعي والرأسمالي الكلاسيكي كانت المرأة ناتجاً ثانوياً تابعاً للرجل. وفي العصر الرأسمالي الحديث تنامت حركة الحقوق النسوية واتسعت نضالات المرأة حتى حققت الكثير من الحقوق خصوصاً في الدول المتقدمة، الا ان الفكر الاشتراكي وجه انتقادات لمفهوم المساواة كما يطرحه الاتجاه الليبرالي، وبحسب مفهوم الفكر الماركسي فان مكانة المرأة وحريتها تقاس على اساس موقعها في الميدان الاقتصادي وممارسة وظيفتها في الانتاج والاستهلاك والتوظيف.
من الناحية الاساسية ظلت قضية المرأة تتأرجح بين الرموز الدينية والرموز الاقتصادية، وفي عصرنا الراهن فان الصورة العامة تعكس بوضوح، تقلص الحضور السياسي للمرأة وتقلص مشاركتها في السلطة التنفيذية والقضائية اضافة الى السلطة التشريعية وخاصة في الاقطار النامية، وضعف مساهمتها في الانتخابات النيابية أو مجالس البلدية، وتعاني من مشاكل ثقافية منها: الموروث الثقافي التقليدي الجامد، وهذه منقولة من جيل الى جيل وفيها تأويلات مغلوطة ونصوص دينية تفسر كل شيء على اساس الماضي، وكذلك التمييز بين الرجل والمرأة في المكانة الاجتماعية، فالرجل حسب هذه الموروثات هو الحاكم المطلق وعلى المرأة الطاعة والاذعان، كما ان غياب الحرية السياسية عن المرأة ولو بدرجات متفاوتة، الامر الذي ينعكس به القمع السياسي على المجتمع، وكذلك جماعات الضغط الاجتماعي التي تعادي حرية التفكير والابداع وتناهض كل ممارسة اجتماعية خلاقة للمرأة، ومجموعات اخرى ساهمت في تصاعد درجات العنف في المجتمع، كما ان الانظمة التعليمية ميزت بين الرجل والمرأة واكدت الانظمة التربوية في بعض الدول على الموروثات التقليدية الجامدة. ولا يمكن لقضية المرأة ان تتطور وتتقدم الا بانشاء دولة المؤسسات والقانون، وتفعيل دور مؤسسات دستورية تتجاوب مع التيار الديمقراطي، وهذه الدولة تبقى قائمة وعاملة مهما كانت التقلبات السياسية والادارية والاقتصادية والاجتماعية. ومهما تغيرت الحكومات أو قيادات الدولة، وهذا يتطلب وجود عقلية متنورة ومناسبة على رأس هرم الدولة، وتبقى المؤسسات الدستورية عاملاً رئيسياً من عوامل تغيير المجتمع، وهذه التغيرات تحتاج الى فترة زمنية طويلة لكي تتبلور تدريجياً، حيث نجد ان الديمقراطية في العالم الغربي استغرقت اكثر من قرنين من الزمن، وكذلك الاتجاه نحو القضاء على التخلف الاقتصادي، ولا يتم كل هذا الا بايمان المواطن بحسن سير المؤسسات السياسية ودولة القانون في ظل نظام برلماني أو رئاسي، وتحتاج الى بيئة مناسبة لوجود المؤسسات الدستورية واحترام مبدأ سيادة القانون، واحترام حقوق الانسان وحرية التعبير والتعليم، والفصل بين السلطات الثلاث واقرار التعددية على اسس ديموقراطية وليست طائفية، ولقد برزت عدة مصطلحات في قاموس الديموقراطية كالنيابية والليبرالية والمركزية، صارت تدعو الى شكل من اشكال حرية المرأة، وهذه ميزة غير متوفرة في كثير من الدول النامية والمتخلفة، وقد تراجعت اساسيات حقوق المرأة في العراق المعاصر على الرغم من وجود قانون حمورابي الذي سنّه العراقيون منذ ثلاثة آلاف سنة.

تعليقات