وغَدرت "الغربان السود" مرّةً أُخرى..



وغَدرت "الغربان السود" مرّةً أُخرى..
في صبيحة يوم الاحد (2/5/2010) وفي قضاء "بغديدا"، هاجمت الغربان السود "الحمائِمَ الآمنة" طلبة الكليات، حيث كانت تتوَجّه شاحناتهم لتوصلهم إلى كلياتهم في الموصل، وكان سلاحهم "القلم" و "الكُرّاسة"، فجّرت ومزّقت بمخالبها السّامة أجساد هؤلاء الأبرياء من الشباب والشابات، فسقط منهم شهداءً وجرحى.
نعم، طلاّب العلم يتطلّعون نحو الأفق لبناء حياتهم المستقبليّة وليصبحوا غداً رجالاً وكوادرَ تخدم وتبني هذا الوطن.
إستهدفوهم أولاً، لأنهم (مسيحيون).. ولكن لماذا؟
ماذا جنوا؟ وما هو ذنبهم؟
ولكن نَحنُ نؤمن، إذْ يقول السيد المسيح له المجد:
"ويَبغِضُكم جَميع النّاسِ منْ أجلِ اِسمي والّذي يَثبتُ إلى النهاية يخلصُ" مرقس (13: 9-13)، لوقا (21: 12-17).
"لا تَخافوا الّذين يَقتلونَ الجسدَ ولا يقدرون أن يقتلوا النَّفسَ" لوقا (2:12-7).
استهدفوهم ثانياً، لأنّهم طلاّب (العِلْم).
لا يريدونَ الناس أنْ يتعلّموا.. أنْ يَتَحَصَّنوا بالعِلمِ والثقافةِ.
فذاك يُخيفهم ويُضعفهم.. لأنّهم أعداء العلم والحضارةِ والتّقدم.
ولأنّ المثقف لا يركع لهم ولا يؤمن بأفكارهم.
إنّه صراع (الهمجيّة والوحشيّة) مع (العِلم).
يريدون أن ترجع البشريّة إلى الوراء.. إلى التخلّف.
لكي يمهّدوا سبيلهم رويداً رويداً، ليصيدوا العقول الساذجة في المياهِ الآسنة.
هذه الحادثة المروّعة هزّت أولاً (بغديدا) وأهلها، ومن ثمّ المسيحييّن في كل المعمورة. وهزّت أيضاً مشاعر إخوتنا المسلمين في العراق، واستنكر عدد من "الأئمّة" و "الشيوخ" هذا الحادث الإجرامي عبر الشاشات المرئيّة.
وهنا، وفي أقليم كوردستان العراق، وجّه الأستاذ (كاكه مسعود البارزاني) رمز السلام والتآخي -مشكوراً- نداءً فوريّاً لإستقبال الجرحى في مستشفيات الأقليم، وأُعلنت حالة الطوارىء في (المستشفى الجمهوري) في أربيل، واستُدعي كلّ الأطبّاء والكوادر الصحيّة، وقام محافظ أربيل السيد نوزاد هادي بتفقد الجرحى، ثم توافدت على المستشفى وفود تمثل دوائر الدولة وتنظيمات ومكاتب الأحزاب، وأُعلنت حملة التبرّع بالدم.
وقامت كلّ القنوات الإعلامية المرئيّة والمسموعة، بتغطية هذا الحدث الغادر وموقف حكومة الاقليم منه.
نعم، هكذا نعيش في كوردستان العراق وبكلّ مكوّناتها الدينية والقوميّة، إخوة في السراء والضراء، نتعاون ونعمل معاً بيدٍ واحدة للبناء والتعمير، لنكون صفّاً متراصّاً قويّاً تحت راية حكومة الاقليم الحكيمة.
وهذه ليست بالمرّة الأولى، فقد أحتضن أقليم كوردستان آلافاً من العوائل النازحة من المدن العراقيّة هرباً من جور وظلم المعتدين، ويعيشون اليوم معزّزين مكرّمين، ويدرس أبناؤهم في مدارس وكليّات الأقليم.
هذه هي الإنسانية، هذه هي المواقف التي يُشار لها بالبنان.
 هكذا تربّينا منذ القدم.. فأرض كوردستان هي أرضنا وناسها إخوتنا ونحن شركاء فيها. فهناك مسيحيّون يحتلون كراسٍ في البرلمان الكوردستاني، وآخرون يحملون حقائب وزاريّة، وكذا وكذا من الوظائف الراقية في الدولة.
نحن هنا في كوردستان العراق نؤمن بأنّ زمان العُنف قد وَلّى.
إنّهُ زمان "السلام" و "التآخي" و "المحبّة".
إنّهُ زمن البناء.. والعيش بوِئامٍ و وفاق.
تعالوا.. زوروا (أربيل)، لتروا بعيونكم ماذا أصبحت وماذا ستصبح غداً.
أخيراً.. نعزّي أنفسنا وأهل وذوي الشهداء بهذا الحادث الأليم، فإن أرواحهم ترفرف في الجنّة، حقاً إنهم (شهداء) لأنهم قتلوا غدراً وخيانةً، ونطلب الشفاء العاجل للجرحى لكي يعودوا الى أهلهم وذويهم سالمين..
وأخيراً.. لا يصحُّ إلاّ الصحيح.. فلا مكان للدجل والشعوذة ولا للتخلّف. وقطار (العِلم) مُستمرّ في مسيرته.
جان توماس جانو


تعليقات