رسائل الهجران


رسائل الهجران
رسالة الهجران الثانية -2-
ابو يوسف
فائدة:
المقامة لون من ألوان الأدب، تقف موقفاً وسطاً بين الشعر والنثر، وقد كتب في هذا اللون معظم الأدباء القدماء وفي مقدمتهم بديع الزمان الهمداني، ومن ثم الحريري صاحب المقامات في العصر العباسي والتي أبدع لها الفنان الواسطي، الرسوم الشهيرة المحفوظة عن تلك الفترة والتي تعتبر من أول الرسومات في العصور الإسلامية.
وفي الحقيقة ان الذي دفعني الى ممارسة هذا اللون في بعضٍ من اشكاله، هو رغبتي في توثيق لحظات مثيرة للواعج وما تشعر به النفس من الحيف الذي يقع منها موقع الحرّ في هجير الصّيف. ولقد آثرت ان أبدأ بالرسالة الثانية لأن أبطال رسالتي الأولى في الهجران مازالوا احياء، واحداثها ما تزال غضة، واني اخاف عليهم من أمراض العصر –حفظهم الله ورعاهم- اينما رحلوا أو حلّوا في أي مصر، وكل دعائي ان يطيل العلي القدير في اعمارهم، وليشملوني بوافر عفوهم ويكونوا بلسماً لجراحاتي بفيض عطفهم ولطفهم..
الحفيد التغلبي
نص الرسالة الثانية من رسائل الهجران:-
الى السيد الأعظم والصديق الأفخم راعينا المطران
الشيخ "ابو فادي" الحبر الجليل عظيم الشأن
من العبد الفقير المتوكل على مَنْ بيده المصير، صديقكم بالرب العلي القدير.. الحفيد التغلبي..
سلاماً وأمنيات.. وبعدُ..
والعاقبةُ.. بَصَل..
"ايها الداخل الى هنا تخلَّ عن كل أمل"
الجحيم- دانتي اليجييري
ذات مساء في نهاية الخريف و أول الشتاء كنت خارجاً من منظمة الأمل، صدفةً رفعتُ رأسي الى العلاء فرأيت البدر قد اكتمل، فقلتُ معاذ الله لا ينقصُ البدر الاّ حين يكتمل، ما كان لي ان اتطيّرَ أو ان اجفل، لولا كلمات في جعبتي اقصد ان اعمل منها قصيدة شعر بعد عرضها على أهل المشورة وحسن النظر، وبالفعل فقد رأوها واستحسنوا ماجاءت به من موفور الأدب وعمق التفكر، فباركوا رأيي وقالوا: امض الى ما شئت وإياك ان تدبر، فإنما الحياة فرص وعلى المتواكلين لا تصبر، فتوكلتُ على الله سبحانه تعالى وهو الولي ونعم المدبر، و رفعتُ للناصحين من صِحابي كل آيات الشكر.
وراح الطباع يطبع والآلة لأنامله من خدود العذارى أنعم واطوع. فجاءت على يديه القصيدة عروسةً خرّيدة، فحملتها برفقٍ وحنان الى تلك السيدة ثابتة الجَنان، فتأملتها وقرَّضتها ودعتْ لي بالموفقية في طموحاتي المستقبلية.
ودار الزمن دورته حتى جاء اليوم الموعود وفيه يظهر الفرق بين الفائز والمنكود، وتسارع المدعوون الى المهرجان يزهون بأحلى الثياب ويتحلون بما تفنّنَ الجوهري من صنعِ الأساور والحلي وقلائد المرجان، كل يسبق صاحبه الى المكان الأقرب والأحسن ان يكون متقدماً وللقوم متصدراً، اما صاحبكم العبد الفقير فقد انزوى في ركن صغير، لا يجذب اليه الرائي فكيف بالبصير؟
وما هي الا برهة، حتى اعتلت المسرح جارية رعبوبة تعزف من دون عود، ومن حنجرتها تتطاير الالحان فتغدو لها الآذان طروبة. فعزفتْ ورتلت من دون نغم، واطربت واسكرتْ بما فاهت به من أجمل الكلم.
وما لبثت ان تلاها في وقفتها ذلك الاعصار الداوي وكأني به قد اعاد هبوط الثور السماوي، فاستجابت لندائه عشتار فتبادلا ما يفرح ويسعد من الكلام المختار، فتعاقبا في تقديمهم للشعراء بما نظموه واجترحوه من أدب وافر العطاء، وفجأة لمعت امامي صورة ذلك البدر كنذير شؤم وعلامة غدر، فلقد جربت ما قد تفعله عاديات الزمان وما يأتيه من جور وخسران.
مر الوقت وطال الانتظار، فالتفتَ العارفون بالأمر نحوي وتساءلت من مكانها الأنظار، فرحتُ استفهم من تلك الجارية المليحة، فجاوبتني بلغةٍ شقشقية فصيحة، وهي ماتزال ترقصُ على الانغام: لا تحزن، ولا تكتئب، لقد نسيتك حقاً وضاعت قصيدتك بين الزحام،
ارجو لك حظاً سعيداً في مستقبل الأيام..
هكذا الانسان اذا بنى حياته على الأمل
فلا تستعبد ان تكون العاقبة.. بَصَل!
الحفيد التغلبي
46  


تعليقات