حضارة ثقافة ومحبة


(( دبابيس ))
 
 
 
                  حضارة ثقافة ومحبة
                                        زهير بهنام بردى
إذا كان للسلطة مؤسسات فان للمقاهي الأدبية أيضاً مؤسسات، وهي أبداً إمبراطوريات كما يسميها الناقد الكبير الدكتور مالك المطلبي، تسللت إليها من منفاي في فندق أسفل إمبراطورية الاتصالات، أيضاً في منتصف ليل شارع الرشيد في ترقوة عموده الفقري إلى الأمام من الصدر قرب جسر يأخذك إلى إمبراطورية الفنادق المبهرجة، وأنت تصعد إليه من إمبراطورية أسواق الخردة والمخضر الرخيص واللحوم النية بألوانها الطرية، والملاعب الشعبية التي تتسكع فيها الحفر بحرية قرب الصدرية والعوينة، ورئة إضافية يشخر فيها الليل من الميدان، وتشهق ساحة التحرير، ويحمر كمب الأرمن من الخجل وتشخر أبراجه أيضاً.
ويظهر في ليل بغداد النواسيّ علي بابا خلف حراميه الأربعين، وتلبط في شاطئ دجلة بريجيت باردو بسيقانها اللماعة النحيفة المثيرة، وفمها الغليظ يشبه قمراً ثملاً غفا في نصف اغماضة وهو ينظرالى حركة مثيرة فوق أريكة بالضبط قرب منحل حديقة الزوراء، يعبث فيها جان دموباصابعه ويتوهم وهو يصرخ: "زهير اليوم آني بست ـ قبَّلت ـ" وكنت معه دائماً نتسلل من غرفنا حيث حدث ان استأجرت غرفة قرب ما تسمى ـ غرفة ـ له شخصياً، ليس إلا كومة قماش مرقط من الوساخة وقصاصات صحف تتقدمها طريق الشعب وبعض قناني مبعثرة هنا وهناك، كنا ننتقل بحرية في إمبراطورية مقاهينا التي أبدأها من البرازيلية واصعد إلى الشريف وحداد، وثم أمتع قدمي وحروفي بالمحلات الأنيقة، كنت اشرب الماء من البرلمان فالبلدية والزهاوي ثم أستريح (دقيقات) في حسن عجمي لأعرج إلى البرلمان ونجلس ساعات، ووقت الظهر نتجمع في المطاعم الفرعية (خلفيات المطاعم)
لنأكل (تمن ومرق فوكاه)، وكنا قد تصفحنا الجرائد بخمسة فلوس لكل جريدة، نقفل إلى البرلمان الذي كنا نحن الأدباء مجلسه، لنتوزع مبعثرين على الكرويتات ويعلو الشخير، عصراً نبدأ فرط حبنا بالتوزيع في خط مستقيم إلى مقاهي وسراديب ( ابي نؤاس ) البيضاء- الحمراء- هافانا- علي بابا..
وكما يقول أستاذنا الكبير الدكتور المطلبى "لم تكن هذه الامبراطورية (إمبراطورية المقاهي) سوى ضرورة للأدب العراقي". لنتعلم الصمت دائماً وننشئ تضاريسنا وجغرافية جميلة لمنافينا الأدبية ونحن نؤسسها إمبراطوريات لحضارة ثقافة ومحبة.

عدد 47

تعليقات